وتستكمل الآية البيان عن ضعف الأوثان وعجزها المطلق وأنّها ليست غير قادرة على خلق ذبابة فحسب ، بل (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيًا لَّايَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ).
ويعلو صدى الحق في تقرير ضعف الوثن وعبدته في قوله تعالى : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
وبعد أن عرض القرآن الكريم هذا المثال الواضح ، قرّر حقيقة مهمة ، وهي : (مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
فالمشركون لو كانوا على أدنى معرفة بالله تعالى لما أنزلوا قدره إلى مستوى هذه الآلهة الضعيفة العاجزة ولما جعلوا مصنوعاتهم شركاء له ، تعالى عما يفعلون علواً كبيراً ، ولو كان لديهم أدنى معرفة بقدرة الله لضحكوا من أنفسهم وسخروا من أفكارهم ، وتقول الآية في النهاية : (إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ). أجل ، إنّ الله قادر على كل شيء ولا مثيل لقدرته ولا حدّ ، فهو ليس كآلهة المشركين التي لو إجتمعت لما تمكّنت من خلق ذبابة ، بل ليس لها القدرة على إعادة ما سلبه الذباب منها.
(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٧٨)
سبب النّزول
في التفسير الكبير : قال الوليد بن المغيرة : أأنزل عليه الذكر من بيننا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (اللهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ).