مصداقاً لـ (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ).
ويجب أن نعرف الآن أين موضع هذا المصباح ، وشكل موضعه ، ليتّضح لنا ما كان ضرورياً إيضاحه في هذا المجال ، لهذا تقول الآية التالية : إنّ هذه المشكاة تقع (فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ) لكي تكون في مأمن من الشياطين والأعداء والانتهازيين ، (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ويتلى فيها القرآن والحقائق الإلهية.
ثم تبيّن المقصود من هذه البيوت في آخر الآية حيث تقول : أنّه في هذه البيوت يسبّح أهلها صباحاً ومساءاً : (يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالْأَصَالِ).
(رِجَالٌ لَّاتُلْهِيهِمْ تِجرَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَوةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصرُ). إنّ هذه الخصائص تكشف عن أنّ هذه البيوت هي المراكز التي حُصّنت بأمر من الله ، وأنّها مركز لذكر الله ولبيان حقيقة الإسلام وتعاليم الله ، ويضم هذا المعنى الواسع المساجد وبيوت الأنبياء والأولياء خاصة بيت النبي صلىاللهعليهوآله وبيت علي عليهالسلام.
وأشارت آخر هذه الآيات إلى الجزاء الوافي لحراس نور الهداية وعشّاق الحق والحقيقة ، فقالت : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ). أي : أنّ الله يكافيء جميع أعمالهم بموجب أفضلها ، ويشمل ذلك أبسط أعمالهم وأوسطها ، حيث يجعلها الله بمستوى أفضل الأعمال حين منحه المكافأة.
ولا عجب في ذلك ، لأنّ الفضل الإلهي لمن كان جديراً به غير محدود : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠)
أعمال سرابية : تحدثت الآيات السابقة عن نور الله ، نور الإيمان والهداية ، ولإتمام هذا البحث ولتوضيح المقارنة بين الذين نوّر الله قلوبهم وبين الآخرين تناولت هذه الآيات عالم الكفر والجهل والإلحاد المظلم. الكلام في الآية الاولى عن الذين يبحثون عن الماء في