(وَيُنَزّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ). أي من جبال السحب في السماء تنزل قطرات المطر على شكل ثلج وبرد ، فتكون بلاء لمن يريد الله عذابه فتصيب هذه الثلوج المزارع والثمار وتتلفها وقد تصيب الناس والحيوانات فتؤذيهم ، (فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ). ومن لم يرد تعذيبه دفع عنه هذا البلاء ، (وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ).
أجل ، إنّه هو الذي ينزّل الغيث المخصب من سحابة تارة ... وهو الذي يصيّره برداً بأدنى تغيير بأمره فيصيب به (بالأذى) من يشاء ، وربّما يكون مهلكاً أحياناً.
وهذا يدل على منتهى قدرته وعظمته إذ جعل نفع الإنسان وضرره وموته وحياته متقارنة ، بل مزج بعضها ببعض.
وفي نهاية الآية يشير إلى ظاهرة أخرى من الظواهر السماوية التي هي من آيات التوحيد فيقول سبحانه : (يَكَادُ سَنَابَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصرِ). فالسحب المؤلفة من ذرات الماء تحمل في طيّاتها الشحنات «الكهربائية» ، وتُومض إيماضاً يُذهل برقها (العيون) والأبصار ويصكّ رعدها السمع من صوته ، وربّما اهتزت له جميع الاجواء.
إنّ هذه الطاقة الهائلة يبن هذا البخار اللطيف لمثيرةٌ للدهشة حقاً ...
وأشارت الآية التالية إلى إحدى معاجز الخلق ودلائل عظمة الله ، وهو خلق الليل والنهار بما فيهما من خصائص ، حيث تقول : (يُقَلِّبُ اللهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِى الْأَبْصرِ).
إنّ لتعاقب الليل والنهار والتغييرات التدريجية الحاصلة منه أثر فعّال في استدامة الحياة وبقاء الإنسان ، وفي ذلك عبرة لُاولي الأبصار.
وأشارت آخر الآيات ـ موضع البحث ـ إلى أوضح دليل على التوحيد ، وهي مسألة الحياة بصورها المختلفة ، فقالت : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاءٍ). أي أنّ أصلها جميعاً من ماء ، ومع هذا فلها صور مختلفة : (فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ) كالزواحف ؛ (وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ) كالإنسان والطيور ؛ (وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ) كالدواب.
وليس الخلق محدداً بهذه المخلوقات ، فالحياة لها صور اخرى متعددة بشكل كبير ، سواء كانت أحياء بحرية أم حشرات بأنواعها المتعددة التي تبلغ آلاف الأنواع ، لهذا قالت الآية في الختام : (يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).