(لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَمَا أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٥٠)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان قيل : نزلت الآيات في رجل من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود حكومة ، فدعاه اليهودي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشراف.
التّفسير
الإيمان وقبول حكم الله : تحدثت الآيات السابقة عن الإيمان بالله وعن دلائل توحيده وعلائمه في عالم التكوين ، بينما تناولت الآيات ـ موضع البحث ـ أثر الإيمان وانعكاس التوحيد في حياة الإنسان ، وإذعانه للحقّ والحقيقة. تقول أوّلاً : (لَقَدْ أَنزَلْنَاءَايتٍ مُّبَيّنتٍ). آيات تنور القلوب بنور الإيمان والتوحيد ، وتزيد في فكر الإنسان نوراً وبهجة ، وتبدّل ظلمات حياته إلى نور على نور. وطبيعي أنّ هذه الآيات المبينات تُمهد للإيمان ، إلّاأنّ الهداية الإلهية هي صاحبة الدور الأساسي : (وَاللهُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وكما نعلم فإنّ إرادة الله ومشيئته ليست دون حساب ، فهو سبحانه وتعالى يدخل نور الهداية إلى القلوب المستعدة لتقبله.
ثم استنكرت الآية الثانية وذمّت مجموعة من المنافقين الذين يدّعون الإيمان في الوقت الذي خلت فيه قلوبهم من نور الله ، فتقول الآية عن هذه المجموعة : (وَيَقُولُونَءَامَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُم مّن بَعْدِ ذلِكَ وَمَا أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ).
ما هذا الإيمان الذي لا يتجاوز حدود ألسنتهم ، ولا أثر له في أعمالهم.
ثم تذكر الآية التي بعدها دليلاً واضحاً على عدم إيمانهم : (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُم مُّعْرِضُونَ).
ولتأكيد عبادة هذه المجموعة للدنيا وفضح شركهم ، تضيف الآية : (وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) وبكامل التسليم والخضوع.