وبيّنت الآية الأخيرة في ثلاث جمل ، الجذور الأساسية ودوافع عدم التسليم إزاء تحكيم الرسول صلىاللهعليهوآله ، فقالت أوّلاً : (أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ).
هذه صفة من صفات المنافقين يتظاهرون بالإيمان ، ولكنّهم لا يسلّمون بحكم الله ورسوله ، ولا يستجيبون له ، إمّا بسبب انحرافهم قلبياً عن التوحيد أو الشك والتردد : (أَمِ ارْتَابُوا). وطبيعي أنّ الذي يتردد في عقيدته ، لن يستسلم لها أبداً.
وثالثها فيما لو لم يلحدوا ولم يشكوا ، أي كانوا من المؤمنين : (أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ).
في الوقت الذي يعتبر هذا تناقضاً صريحاً ، إذ كيف للذي يؤمن برسالة محمّد صلىاللهعليهوآله ويعتبر حكمه حكم الله تعالى أن ينسب الظلم إلى الرسول صلىاللهعليهوآله؟!
وهل يمكن أن يظلم الله أحداً؟ أليس الظلم وليد الجهل أو الحاجة أو الكبر؟
إنّ الله تعالى مقدس عن كل هذه الصفات ؛ (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظلِمُونَ). إنّهم لا يقتنعون بحقّهم ، وهم يعلمون أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله لا يجحف بحق أحد ، ولهذا لا يستسلمون لحكمه.
(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (٥٤)
الإيمان والتسليم التام إزاء الحقّ : لاحظنا في الآيات السابقة ردّ فعل المنافقين لحكم الله ورسوله صلىاللهعليهوآله ، أمّا الآيات ـ موضع البحث ـ فإنّها تشرح موقف المؤمنين إزاء حكم الله ورسوله ، فتقول : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا).
كيف يمكن أن يرجّح شخص حكم شخص آخر على حكم الله ، وهو يعتقد بأنّ الله عالم بكلّ شيء ، ولا حاجة له بأحد ، وهو الرّحمن الرّحيم؟ وكيف له أن يقوم بعمل إزاء حكم الله إلّاالسمع والطاعة؟