لهذا تختتم الآية حديثها بالقول : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). ولا شك في أنّ الفلاح نصيب الذي يسلّم أمره إلى الله ، ويعتقد بعدله وحكمه في حياته المادية والمعنوية.
وتابعت الآية الثانية هذه الحقيقة بشكل أكثر عمومية ، فتقول : (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).
لحن الآية التالية ـ وكذلك سبب نزولها الذي ذكرته بعض التفاسير ـ يعني أنّ بعض المنافقين تأثروا جداً على ما هم فيه ، بعد نزول الآيات السابقة والتي وجّهت اللوم الشديد إليهم ، فجاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وأقسموا يميناً مغلظة أنّنا نسلّم أمرنا إليك ، ولهذا أجابهم القرآن بشكل حاسم : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمنِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) إلى ميدان الجهاد ، أو يخرجوا من أموالهم وبيوتهم فقل لهم : لا حاجة إلى القسم ، وعليكم عملاً اطاعة الله بصدق واخلاص : (قُل لَّاتُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
إنّ كلمة (ليخرجنّ) في هذه الآية يقصد منها عدم التهالك على المال والحياة ، وأتباع الرّسول صلىاللهعليهوآله أينما رحل وحلّ وطاعته.
لهذا أكدت الآية التالية ـ التي هي آخر الآيات موضع البحث ـ هذا المعنى ، وتقول للرسول صلىاللهعليهوآله أن : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).
ثم تضيف الآية أنّ هذا الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين : (فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمّلْتُمْ). ففي صورة العصيان فقد ادّى وظيفته وهو مسؤول عنها كما أنّكم مسؤولون عن أعمالكم حين أنّ وظيفتكم الطاعة ، ولكن (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) لأنّه قائد لا يدعو لغير سبيل الله والحق والصواب.
في كل الأحوال : (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ). وإنّه صلىاللهعليهوآله مكلّف بإبلاغ الجميع ما أمر الله به ، فإن أطاعوه استفادوا ، وإن لم يطيعوه خسروا.
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (٥٥)