أنواع النعم المادية والمعنوية : يعود القرآن الكريم مرّة اخرى بعرض جملة اخرى من النعم الإلهية كدرس في التوحيد ومعرفة الله ، وأوّل ما يشير في هذه الآيات المباركات إلى نعمة العلم والمعرفة ووسائل تحصيله ... ويقول : (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيًا). فمن الطبيعي أنّكم في ذلك المحيط المحدود المظلم تجهلون كل شيء ، ولكن عندما تنتقلون إلى هذا العالم فليس من الحكمة أن تستمروا على حالة الجهل ، ولهذا فقد زوّدكم الباري سبحانه بوسائل إدراك الحقائق ومعرفة الموجودات (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفِدَةَ). لكي يتحرك حس الشكر للمنعم في أعماقكم من خلال إدراككم لهذه النعم الربانية الجليلة (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وتستمر الآية التالية في بيان أسرار عظمة الله عزوجل في علم الوجود ، وتقول : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوّ السَّمَاءِ).
وبما أنّ الأجسام تنجذب إلى الأرض طبيعياً فقد وصف القرآن الكريم حركة الطيور في الهواء بالتسخير.
ويضيف قائلاً : (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ).
صحيح أنّ ثمّة امور مجتمعة تعطي للطيور إمكانية التحليق والطيران ، مثل : الخاصية الطبيعية للأجنحة ، قدرة عضلات الطيور ، هيكل الطير بالإضافة إلى خواص الهواء الملائمة ... ولكن ، من الذي خلق هذه الهيئة وتلك الخواص؟
وفي نهاية الآية ، يأتي قوله عزّ من قائل : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). أي : إنّهم ينظرون إلى هذه الامور بعين باصرة وأذن سميعة ويتفكرون فيما يرون ويسمعون ، وبذلك يقوى إيمانهم ويرسخ أكثر فأكثر.
وتستمر الآيات في الإشارة إلى النعم الإلهية حتى نصل إلى (الآية الثالثه) (مورد البحث) لتقول : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا).
وحقّاً إنّ هذه النعمة المباركة من أهم النعم ، فلولاها لم يمكن التمتع بغيرها.
«البيوت» : جمع بيت ، مأخوذ من «البيتوتة» وهي في الأصل بمعنى التوقف ليلاً ، واطلقت كلمة «بيت» على الحجرة أو الدار لحصول الاستفادة منهما للسكن ليلاً.
وبعد أن تطرّق القرآن الكريم إلى ذكر البيوت الثابتة عرّج على ذكر البيوت المتنقلة فقال : (وَجَعَلَ لَكُم مّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا).