وهي من الخفّة بحيث (تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) ـ أي : رحيلكم ـ (وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ).
بل وجعل لكم : (وَمِن أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ).
فاستعمال المصطلحين (أَثَاثًا وَمَتَاعًا) على التوالي يمكن أن يشير إلى هذا المعنى : إنّكم تستطيعون أن تهيئوا من أصوافها وأوبارها وأشعارها وسائل بيتية كثيرة تتمتعون بها.
(الظلال ، المساكن ، الأغطية :) ويشير القرآن الكريم إلى نعمة اخرى بقوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِللاً وَجَعَلَ لَكُم مّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا).
«الأكنان» : جمع (كن) بمعنى وسائل التغطية والحفظ ، ولهذا فقد اطلقت على المغارات وأماكن الإختفاء وفي الجبال.
وكأنّ ذكر نعمة «الظلال» و «أكنان الجبال» بعد ذكر نعمة «المسكن» و «الخيام» في الآية السابقة ، للإشارة إلى أنّ طوائف الناس لا تخرج عن إحدى ثلاثة ... واحدة تعيش في المدن والقرى وتستفيد من بناء البيوت لسكناها ، واخرى تعيش الترحال والتنقل فتحمل معها الخيام ، وثالثة اولئك الذين يسافرون وليس معهم مستلزمات المأوى ... ولم يترك الباري جلّ شأنه المجموعة الثالثه تعيش حالة الحيرة من أمرها ، بل في طريقهم الظلال والمغارات لتقيهم.
وبعد ذكر القرآن الكريم لنعمة الظلال الطبيعية والصناعية ، ينتقل لذكر ملابس الإنسان فيقول : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ، وثمّة ألبسة اخرى تستعمل لحفظ أبدانكم في الحروب (وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ).
«السرابيل» : جمع «سربال» بمعنى الثوب من أيّ جنس كان.
فإنّ فائدة الألبسة لا تنحصر في حفظ الإنسان من الحر والبرد ، بل تُلبس الإنسان ثوب الكرامة وتقي بدنه من الأخطار الموجّهة إليه.
وفي ذيل الآية يقول القرآن مذكّراً : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ). أي : تطيعون أمره.
وطبيعي جدّاً أن يفكر الإنسان بخالق النعم ، خصوصاً عند تنبّهه للنعم المختلفة التي تحيط بوجوده.
وبعد ذكر هذه النعم الجليلة ، يقول عزوجل أنّهم لو اعرضوا ولم يسلموا للحق فلا تحزن ولا تقلق ، لأنّ وظيفتك ابلاغهم : (فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلغُ الْمُبِينُ).