لكن القرآن يردّ عليهم في جملة واحدة فقط ، تلك هي : (فَقَدْ جَاءُو ظُلْمًا وَزُورًا) (١).
«الظلم» هنا لأنّ رجلاً أميناً طاهراً وصادقاً مثل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله اتّهموه بالكذب والإفتراء على الله ، وبالإشتراك مع جماعة من أهل الكتاب ، فظلموا أنفسهم والناس أيضاً. و «الزور» هنا أنّ قولهم لم يكن له أساس مطلقاً ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله دعاهم عدّة مرات إلى الإتيان بسورة وآيات مثل القرآن ، فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدي.
كلمة «زور» في الأصل من «زَور» (على وزن غور) أخذت بمعنى : أعلى الصدر ، ثم أطلقت على كل شيء يتمايل عن حدّ الوسط ، وبما أنّ «الكذب» انحرف عن الحق ، ومال إلى الباطل ، فقد سمّوه «زوراً».
تتناول الآية التالية لوناً آخر من التحليلات المنحرفة والحجج الواهية للمشركين فيما يتعلق بالقرآن ، فتقول : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا) (٢).
وهو يستلهمها من الآخرين طيلة اليوم من أجل الوصول إلى هذا الهدف : (فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً).
إنّه يتلقى المعونة لأجل هدفه في الأوقات التي يقلّ فيها تواجد الناس ، أي بكرة وعشياً.
لذا (فالآية الأخيرة) تصرح بصيغة الرد على هذه الإتهامات الواهية ، فتقول : (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السّرَّ فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
إشارة إلى أنّ محتوى هذا الكتاب ، والأسرار المتنوعة فيه من علوم ومعارف وتاريخ الأقوام الأوّلين ، والقوانين والاحتياجات البشرية ، وحتى أسرار عالم الطبيعة والأخبار المستقبلية ، تدل على أن ليس من صنع ومتناول عقل البشر ، ولم ينظّم بمساعدة هذا أو ذاك ، بل بعلم الذي هو جدير بأسرار السماء والأرض ، والمحيط بكل شيء علماً.
لكن مع كل هذا ، فإنّ القرآن يترك طريق التوبة مفتوحاً أمام هؤلاء المغرضين والمنحرفين ، فيقول تبارك وتعالى في ختام الآية : (إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
فبمقتضى رحمته أرسل الأنبياء ، وأنزل الكتب السماوية ، وبمقتضى غفوريته سيعفو في ظل الإيمان والتوبة عن ذنوبكم التي لا تحصى.
__________________
(١) «جاءو» : من مادة «مجيء» ، يراد بها عادة معنى «القدوم» ، لكنّها وردت هنا بمعنى «الإتيان».
(٢) ففي الواقع إنّ أولئك كانوا يريدون أن يتهموا النبي صلىاللهعليهوآله من هذا الطريق ، بأنّه يقرأ ويكتب ، لكنّه كان يظهر نفسه أمياً عمداً.