لقد كان المشركون يرون أنّه لا يليق بذوي الشأن الذهاب إلى الأسواق لقضاء حوائجهم ، بل ينبغي أن يرسلوا خدمهم ومأموريهم من أجل ذلك.
ثم أضافوا : (لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا). فلِمَ لم يرسل إليه ـ على الأقل ـ ملك من عند الله ، شاهد على صدق دعوته ، وينذر معه الناس؟
حسن جداً ، لنفرض أنّنا وافقنا على أنّ رسول الله يمكن أن يكون إنساناً ، ولكن لماذا يكون فقيراً فاقداً للثروة والمال؟! (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا).
ولم يكتفوا بهذا أيضاً ، فقد اتهموه آخر الأمر بالجنون بما ابتنوه من استنتاج خاطىء ، كما نقرأ في ختام هذه الآية نفسها : (وَقَالَ الظلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُورًا). ذلك أنّهم كانوا يعتقدون أنّ السحرة يستطيعون أن يتدخلوا في فكر وعقول الأفراد فيسلبونهم قوام عقولهم.
الآية التالية تبيّن جواب جميع هذه الإشكالات في عبارة موجزة : (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثلَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً).
إنّ (الأمثال) هنا ، بمعنى الأقوال الفارغة الواهية.
هذه العبارة الموجزة أداء بليغ عن هذه الحقيقة ، فهم من خلال مجموعة من الأقوال الواهية التي لا أساس لها وقفوا أمام دعوة الحق والقرآن ـ الذي محتواه شاهد ناطق على إرتباطه بالله ـ ليخفوا وجه الحقيقة.
الآية الأخيرة مورد البحث ـ كالآية التي قبلها ـ توجّه خطابها إلى النبي صلىاللهعليهوآله على سبيل تحقير مقولات اولئك ، وأنّها لا تستحق الإجابة عليها. يقول تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِى إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مّن ذلِكَ جَنتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا).
وإلّا ، فهل أحد غير الله أعطى الآخرين القصور والبساتين؟ من غير الله خلق جميع هذه النعم والجمال في هذا العالم؟ تُرى أيستحيل على الله القادر المنّان أن يجعل لك أفضل من هذه القصور والبساتين؟!
لكنّه لا يريد أبداً أن يعتقد الناس أنّ مكانتك مردّها المال والثروة والقصور ، ويكونوا غافلين عن القيم الواقعية.