الإسلامية ، كتاب ـ كهذا ـ يبيّن وينفذ جميع مناهجه حتى قوانينه الكلية عن طريق الحضور في ميادين حياة الامة ، لا يمكن أن ينظم ويُدوّن دفعة واحدة.
وهذا من قبيل أن يقوم قائد عظيم بكتابه ونشر جميع بياناته وإعلاناته وأوامره ونواهيه ـ التي يصدرها في المناسبات المختلفة ـ دفعة واحدة من أجل تسيير الثورة ، تُرى هل يعتبر هذا العمل عقلائياً؟!
ثم للتأكيد أكثر على هذا الجواب يقول تعالى : (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا). أي أنّهم لا يأتون بمثل أو مقولة أو بحث لاضعاف دعوتك ومقابلتها.
وبما أنّ هؤلاء الأعداء الحاقدين استنتجوا ـ بعد مجموعة من إشكالاتهم ـ أنّ محمّداً وأصحابه مع صفاتهم هذه وكتابهم هذا وبرامجهم هذه شرّ خلق الله ـ العياذ بالله ـ ولأنّ ذكر هذا القول لا يتناسب مع فصاحة وبلاغة القرآن ، فإنّ الله سبحانه يتناول الإجابة على هذا القول في الآية الأخيرة مورد البحث دون أن ينقل أصل قولهم ، يقول : (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلاً).
وهذا علامة على مهانتهم وذلتهم ، لأنّهم كانوا في الدنيا في غاية الكبر والغرور والإستهانة بخلق الله ، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى تجسيد لضلالتهم في هذا العالم ، ذلك أنّ من يسحبونه بهذه الصورة لا يرى ما أمامه بأي شكل ، وغافل عما حوله.
فريق لهم قامات منتصبة كشجر السرو ، ووجوه منيرة كالقمر ، وخطوات واسعة ، يتوجهون بسرعة إلى الجنة.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (٣٧) وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً) (٤٠)