إلهي ، إنّ الناس قد هجروا القرآن : كما تناولت الآيات السابقة أنواعاً من ذرائع المشركين والكافرين المعاندين ، تتناول الآية الاولى في مورد البحث هنا حزن وشكاية الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله بين يدي الله عزوجل من كيفية تعامل هذه الفئة مع القرآن ، فتقول : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا).
قول الرسول صلىاللهعليهوآله هذا ، وشكواه هذه ، مستمران إلى هذا اليوم من فئة عظيمة من المسلمين ، يشكو بين يدي الله أنّهم دفنوا القرآن بيد النسيان ، القرآن الممتلىء ببرامج الحياة ، هجروا هذا القرآن فمدّوا يد الإستجداء إلى الآخرين ، حتى في القوانين المدنية والجزائية.
إنّ القرآن بينهم كتاب للمراسم والتشريفات ، يذيعون ألفاظه وحدها بأصوات عذبة عبر محطات البث ، ويستخدمونه في زخرفة المساجد بعنوان الفن المعماري ، ولافتتاح منزل جديد ، أو لحفظ مسافر ، وشفاء مريض ، وعلى الأكثر للتلاوة من أجل الثواب.
تقول الآية التي بعدها في مواساة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، حيث كان يواجه هذا الموقف العدائي للخصوم : (وَكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ).
لست وحدك قدواجهت هذه العداوة الشديدة لهذه الفئة ، فقد مرّ جميع الأنبياء بمثل هذه الظروف ، حيث كان يتصدى لمخالفتهم فريق من (المجرمين) فكانوا يناصبونهم العداء.
ولكن إعلم أنّك لست وحيداً ، وبلا معين ، (وَكَفَى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا). فلا وساوسهم تستطيع أن تضلك ، لأنّ الله هاديك ، ولا مؤامراتهم تستطيع أن تحطمك ، لأنّ الخالق معينك ، الخالق الذي علمه فوق كل العلوم ، وقدرته أقوى من كل القدرات.
الآية التي بعدها تشير أيضاً إلى ذريعة اخرى من ذرائع هؤلاء المجرمين المتعللين بالمعاذير ، فتقول : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً).
واساساً فقد كان الأفضل للنبي صلىاللهعليهوآله أيضاً أن يكون ذا اطلاع على جميع هذا القرآن دفعة واحدة ، كيما يجيب الناس فوراً على كل ما يسألونه ويريدون منه.
ولكن القرآن في تتمة هذه الآية نفسها يجيبهم : (وَكَذلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنهُ تَرْتِيلاً).
إنّ القرآن مجموعة من أوامر ونواهي ، أحكام وقوانين ، تاريخ وموعظة ، ومجموعة من الخطط ذات المدى الطويل أو القصير في مواجهة الأحداث التي كانت تبرز أمام مسير الامة