تعالى أوّلاً : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً).
«يعضّ» : من مادة «عضّ» ، ويستخدم هذا التعبير عادة بالنسبة إلى الأشخاص المهووسين من شدّة الحسرة والأسف.
وهذا العمل يصدر من هؤلاء الأشخاص حينما يطلعون على ماضيهم ، ويعتبرون أنفسهم مقصرين ، فيصممون على الإنتقام من أنفسهم بهذا الشكل لتهدئة سورة الغضب في نفوسهم والشعور بالراحة.
ثم يضيف القرآن الكريم أنّ هذا الظالم المعتدي الغارق في عالم الأسف ، يقول : (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً) (١).
والمقصود ب «فلان» هو ذلك الذي أضله : الشيطان أو صديق السوء أو القريب الضال.
ثم يستمر ويقول : (لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِى).
«الذكر» في الجملة أعلاه ، له معنىً واسع ، ويشمل كل الآيات الإلهية التي نزلت في الكتب السماوية ، بل يدخل في إطاره كل ما يوجب يقظة ووعي الإنسان.
وفي ختام الآية يقول تعالى : (وَكَانَ الشَّيْطنُ لِلْإِنسنِ خَذُولاً). ذلك لأنّه يجر الإنسان إلى مواقع الخطر والطرق المنحرفة ، ثم يتركه حيران ويذهب لسبيله.
وحقيقة الخذلان هي أي يعتمد الشخص على صديقه تمام الاعتماد ، ولكن هذا الصديق يرفع يده عن مساعدته وإعانته تماماً في اللحظات الحساسة.
نقرأ في حديث عن الإمام محمّد التقي الجواد عليهالسلام قال : «ايّاك ومصاحبة الشرير ، فإنّه كالسيف المسلول ، يحسن منظره ويقبح أثره» (٢).
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٣٤)
__________________
(١) «خليل» : تطلق بمعنى الصديق الخاص الحميم حيث يجعله الإنسان مشاوراً لنفسه.
(٢) بحار الأنوار ٧١ / ١٩٨.