الجواب القرآني الثاني على مقولاتهم ورد في الآية التي بعدها ، موجهاً الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله على سبيل المواساة وتسلية الخاطر ، وأيضاً على سبيل بيان الدليل على أصل عدم قبول دعوة النبي من قبل اولئك ، فيقول : (أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَيهُ). فهل أنت قادر مع هذا الحال على هدايته والدفاع عنه ، (أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً).
يعني إذا وقف اولئك أمام دعوتك بالإستهزاء والإنكار وأنواع المخالفات ، فلم يكن ذلك لأنّ منطقك ضعيف ودلائلك غير مقنعة ، وفي دينك شك أو ريبة ، بل لأنّهم ليسوا أتباع العقل والمنطق ، فمعبودهم أهواؤهم النفسية ، واتباع الهوى مصدر الغفلة ومنبع الكفر وعدم الإيمان.
وأخيراً فإنّ الجواب القرآني الثالث لهذه الفئة الضالة ، هو قوله : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
يعني لا يؤذينك استهزاؤهم ومقولاتهم السيئة وغير المنطقية أبداً ، لأنّ الإنسان إمّا أن يكون ذا عقل ، ويستخدم عقله ، فيكون مصداقاً ل «يعقلون». أو أنّه فاقد للعلم ولكنه يسمع قول العلماء ، فيكون مصداقاً ل «يسمعون» ، لكن هذه الفئة لا من اولئك ولا من هؤلاء ، وعلى هذا فلا فرق بينهم وبين الانعام ، بل هم أتعس من الأنعام وأعجز ، إذ أنّ الأنعام لا تعقل ولا فكر لها ، وهؤلاء لهم عقل وفكر ، وتسافلوا إلى حال كهذه.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (٥٠)
حركة الظلال : في هذه الآيات كلام في أقسام مهمّة من النعم الإلهية ، وكلام في نعمة «الظلال» ثم في آثار وبركات «الليل» و «النوم والإستراحة» و «ضياء» النهار و «هبوب الرياح» و «نزول المطر» و «إحياء الأراضي الموات» و «سقاية» الأنعام والناس. يقول تعالى