(وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً) (٥٥)
الآية الاولى ـ مورد البحث ـ أشارت إلى عظمة مقام النبي صلىاللهعليهوآله ، يقول تعالى : لو أردنا لبعثنا نبيّاً في كل مدينة وبلد ، لكنّنا لم نفعل هذا وألقينا مسؤولية هداية العالمين على عاتقك ، (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا). لأنّ تمركز النبوة في وجود فرد واحد يكون باعثاً على وحدة وانسجام الناس ، ومانعاً من كل فرقة وتشتت.
إنّ هذه الآية دليل على عظمة مقام النبي صلىاللهعليهوآله ، فهي دليل كذلك على وجوب وحدة القائد ، وعلى ثقل عبء مسؤوليته.
وبنفس هذا الدليل ، يبيّن الله تبارك وتعالى في الآية التالية أمرين إلهيين مهمين يشكلان منهجين أساسيين للانبياء ، فيوجه الخطاب أوّلاً إلى الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ويقول : (فَلَا تُطِعِ الْكفِرِينَ). لا تخطُ أيّة خطوة على طريق التوافق مع انحرافاتهم ، فإنّ التوافق مع المنحرفين آفة الدعوة إلى الله.
أمّا القانون الثاني فهو : جاهد اولئك بالقرآن : (وَجهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا).
جهاداً كبيراً بعظمة رسالتك ، وبعظمة جهاد كل الأنبياء الماضين ، الجهاد الذي يشمل جميع الأبعاد الروحية والفكرية للناس ، ويشمل كل الأصعدة المادية والمعنوية.
هذا التعبير يجسد أيضاً عظمة مقام القرآن ، ذلك لأنّه وسيلة هذا الجهاد الكبير وسلاحه القاطع ، فإنّ قدرته البيانية واستدلاله وتأثيره العميق وجاذبيته فوق تصور وقدرة البشر.
ثم يتناول القرآن الكريم مجدداً الاستدلال على عظمة الخالق عن طريق بيان نعمه في النظام الكوني ، فيشير بعد ذكر المطر في الآيات السابقة إلى عدم الإختلاط بين المياه العذبة والمالحة : (وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا).