أيضاً ، ويضيف الله تعالى في الآية الاولى هنا : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمنُ).
نحن لا نعرف «الرحمن» أصلاً ، وهذه الكلمة ليس لها مفهوم واضح عندنا ، (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا). نحن لا نخضع لأيّ أحد ، وسوف لن نكون أتباع أمر هذا أو ذاك ، (وَزَادَهُمْ نُفُورًا). أي أنّهم يتكلمون بهذا الكلام ويزدادون ابتعاداً ونفوراً عن الحق.
لا شكّ أنّ أنسب اسم من أسماء الله للدعوة إلى الخضوع والسجود بين يديه ، هو ذلك الاسم الممتلىء جاذبية (الرحمن) مع مفهوم رحمته العامّة الواسعة ، لكن أولئك بسبب عمى قلوبهم ولجاجتهم ، لم يظهروا تأثراً حيال هذه الدعوة ، بل تلقوها بالسخرية والاستهزاء ، وقالوا على سبيل التحقير : (وَمَا الرَّحْمنُ).
الآية التالية إجابة على سؤالهم حيث كانوا يقولون : «وما الرحمن؟» وإن كانوا يقولون هذا على سبيل السخرية ، لكن القرآن يجيبهم إجابة جادة ، يقول تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا). «البروج» : جمع «برج» في الأصل بمعنى «الظهور» ولذا يسمون ذلك القسم الأعلى والأظهر من جدار أطراف المدينة أو محل تجمع الفرقة العسكرية «برج». فالبروج السماوية إشارة إلى الصور الفلكية الخاصة حيث تستقر الشمس والقمر في كل فصل وكل موضع من السنة إزاء واحد منها ، يقولون مثلاً : استقرت الشمس في برج «الحمل» يعني أنّها تكون بمحاذاة «الصورة الفلكية» ، «الحمل» ، أو القمر في «العقرب» يعني وقفت كرة القمر أمام الصورة الفلكية «العقرب».
بهذا الترتيب ، أشارت الآية إلى منازل الشمس والقمر السماوية ، وتضيف على أثر ذلك : (وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا).
مع هذه الدلائل الواضحة ، ومع هذه المنازل البديعة والدقيقة للشمس والقمر ، فهل مازلتم تجهلونه وتقولون : «وما الرحمن؟!»
في الآية الأخيرة يواصل القرآن الكريم التعريف بالخالق سبحانه ، ويتحدث مرّة اخرى في قسم آخر من نظام الوجود ، فيقول تعالى : (وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا).
هذا النظام البديع الحاكم على الليل والنهار ، لولاه لانعدمت حياة الإنسان نتيجةً لشدة النور والحرارة أو الظلمة والعتمة ، وهذا دليل رائع للذين يريدون أن يعرفوا الله عزوجل.