ففي المرحلة الاولى يعرض عن الحق ويصرف بوجهه عنه ... ثم بالتدريج يبلغ مرحلة الإنكار والتكذيب .. ثم يتجاوز هذه المرحلة إلى السخرية والإستهزاء ... ونتيجةً لذلك ينال عقاب الله وجزاءه (وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيتين ٤ و ٥ من سورة الأنعام).
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩)
الزوجية في النباتات : كان الكلام في الآيات المتقدمة عن إعراض الكفار عن الآيات التشريعية (أي القرآن المجيد) ، أمّا في الآيات محل البحث فالكلام عن الآيات التكوينية ودلائل الله في خلقِه وما أوجده سبحانه ؛ فتقول الآية الاولى من هذه الآيات : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ). «كريم» : في الأصل تعني كل شيء قيّم وثمين.
والمراد من (كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) هو النباتات المهمّة ذوات الفائدة.
وتأتي الآية التالية لتقول مؤكّدة بصراحة : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً). إلّاأنّ اولئك الذين طُبع على قلوبهم في غفلة وجهل إلى درجة يرون معها آيات الله بأعينهم ، ومع ذلك يجحدونها ويكفرون بها ، ويترسخ في قلوبهم العناد والجدل. لذلك فإنّ الآية هذه تعقّب قائلة : (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ). أي إنّ عدم الإيمان لدى اولئك أمسى كالصفة الراسخة فيهم ، فلا عجب أن لا ينتفعوا من هذه الآيات.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث يرد الخطاب في تعبير يدل على التهديد والترهيب والتشويق والترغيب ، فيقول سبحانه : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
«العزيز» : معناه المقتدر الذي لا يغلب ولا يُقهر ، فهو قادر على إظهار الآيات العظمى ، كما أنّه قادر على إهلاك المكذبين وتدميرهم .. إلّاأنّه مع كل ذلك رحيم ، ورحمته وسعت كل شيء ، ويكفي الرجوع بإخلاص إليه في لحظة قصيرة ، لتشمل رحمته من أناب إليه وتاب ، فيعفو عنه بلطفه ورحمته.
(وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (١٥)