بداية رسالة موسى : قلنا إنّ في هذه السورة بياناً لقصص سبعة من الأنبياء الكرام العظام ، ليكون درس اعتبار لعامّة المسلمين ، ولا سيما المسلمين الأوائل في عصر النبي صلىاللهعليهوآله ... فأوّل قصّة تتناولها هذه السورة هي قصة موسى عليهالسلام ، وتشرح جوانب مختلفة من حياته ومواجهته لفرعون وأتباعه حتى هلاكهم بالغرق في النيل.
وممّا يلفت النظر تكرار عبارة : (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ، بعد تمام الحديث عن كل نبي ... وهو التعبير ذاته الوارد في بداية هذه السورة في شأن النبي محمّد صلىاللهعليهوآله .. وهذا الإتساق في التعبير شاهد حيّ على أنّ ذكر هذه الجوانب من قصص الأنبياء إنّما هو للظروف المتشابهة التي أكتنفت المسلمين من حيث الحالة النفسية والإجتماعية كما كان عليها الأنبياء السابقون ...
فتقول الآيتان الاوليان من الآيات محل البحث : (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ). ويتركون ظلمهم وفسادهم وعنادهم للحق.
وينبغي الإلتفات إلى أنّ الصفة الوحيدة المذكورة عن قوم فرعون هنا هي الظلم ، ومن الواضح أنّ الظلم له معنى جامع واسع ومن مصاديقه الشرك كما تقول الآية (١٣) من سورة لقمان : (إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
كما أنّ استعباد بني إسرائيل واستثمارهم وما قارنهما من زجر وتعذيب من المصاديق الاخرى أيضاً ، ثم بعد هذا كلّه فإنّ قوم فرعون ظلموا أنفسهم بأعمالهم المخالفة ، وهكذا يمكن تلخيص أهداف دعوة الأنبياء جميعهم بمبارزة الظلم بجميع أبعاده ...
ويحكي القرآن مقالة موسى الكليم لربّ العزة وما طلبه منه من مزيد القوة والعون لحمل الرسالة العظمى ، فيقول في الآية التالية : (قَالَ رَبّ إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ). وأخشى أن اطرد قبل أن أكمل أداء رسالتي بما الاقيه من صخب وتكذيب فلا يتحقق الهدف المنشود ...
وكان لموسى الحق في كلامه هذا تماماً ، لأنّ فرعون وأتباعه وحاشيته كانوا مهيمنين على مصر ، بحيث لم يكن لأحد أن يخالفهم ولو برأيه ، وإذا أحسّوا بأدنى نغمة مخالفة لأي شخص بادروا إلى الإجهاز عليه فوراً ..
وإضافة إلى ذلك فإنّ صدري لا يتّسع لاستيعاب هذه الرسالة الإلهية : (وَيَضِيقُ صَدْرِى).
ثم بعد هذا كلّه فلساني قد يعجز عن بيانها : (وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِى) ...