عاقبة فرعون وأتباعه الوخيمة : في هذه الآيات يبرز المشهد الأخير من قصة موسى وفرعون ، وهو كيفية هلاك فرعون وقومه ، ونجاة بني إسرائيل وانتصارهم ، وكما قرأنا في الآيات المتقدمة فإنّ فرعون أرسل المدائن حاشرين ، وهيأ مقداراً كافياً من «القوّة» والجيش.
تحركوا في جوف الليل ليدركوهم بسرعة ، فبلغوهم صباحاً كما تقول الآية الاولى من الآيات محل البحث : (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحبُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). فأمامنا بحر خضم متلاطم بالأمواج ، ومن ورائنا بحر من الجيوش المتعطشة للدماء بتجهيزاتها الكاملة ... هؤلاء الغاضبون علينا.
وهنا مرّت لحظات عسيرة على بني إسرائيل ... لحظات مُرّة لا يمكن وصف مرارتها ... ولعل جماعة منهم تزلزل إيمانهم وفقدوا معنوياتهم وروحياتهم ، إلّاأنّ موسى عليهالسلام كان مطمئناً هادىء البال ، وكان يعرف أنّ وعد الله في هلاك فرعون وقومه ونجاة بني إسرائيل لا يتخلف أبداً ولن يخلف الله وعده رسله ...
لذلك التفت إلى بني إسرائيل الفزعين بكمال الإطمئنان والثقة و (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ).
وفي هذه الحال التي قد يكون البعض سمعوا كلامه دون أن يصدقوه ، وكانوا ينتظرون آخر لحظات حياتهم ، صدر أمر الله كما يقول القرآن : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ..) .. فامتثل موسى عليهالسلام أمر ربّه فضرب البحر ، فإذا أمامه مشهد رائع عجيب ، تهللت له أسارير وجوه بني إسرائيل ، إذا انشقّ البحر (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ).
«انفلق» : مأخوذ من «الفَلَق» ومعناه الإنشقاق ؛ و «فَرَقَ» من مادة «فرْق» على زنة «حلق» ومعناه الإنفصال.
وبتعبير آخر ، كما يقول الراغب في مفرداته : إنّ الفرق بين (فلق) و (فرق) هو أنّ الأوّل يشير إلى الإنشقاق (أو الإنشطار) والثاني يشير إلى الإنفصال.
«الطّود» : معناه الجبل العظيم ، ووصف الطود بالعظمة في الآية تأكيد آخر على معناه.
إلّا أنّ فرعون وأتباعه بالرغم من مشاهدتهم هذه المعجزة الكبرى الواضحة لم يذعنوا للحق ، ولم ينزلوا عن مركب غرورهم ، فاتبعوا موسى ورهطه ليبلغوا مصيرهم المحتوم ، كما يقول القرآن في هذا الشأن : (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْأَخَرِينَ).
وهكذا ورد فرعون وقومه البحر أيضاً.