وتقول الآية التالية : (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ).
وحين خرج آخر من كان من بني إسرائيل من البحر ، ودخل آخر من كان من أتباع فرعون البحر ، صدر أمر الله فعادت الأمواج إلى حالتها الاولى.
ويبيّن القرآن هذه الحالة بعبارة موجزة متينة فيقول : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْأَخَرِينَ).
وهكذا إنتهى كل شيء في لحظة واحدة ... فالأرقاء أصبحوا أحراراً ، وهلك الجبابرة ، وانتهت تلك الحضارة المشيدة على دماء المستضعفين ، وورث الحكومة والملك المستضعفون بعدهم.
أجل ، (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ). فكأنّ في أعينهم عمىً ، وفي آذانهم وقراً ، وعلى قلوب أقفالاً.
فحيث لا يؤمن فرعون وقومه مع ما رأوا من المشاهد العجيبة ، فلا تعجب إذاً ألّا يؤمن بك المشركون ـ يا محمّد ـ ولا تحزن عليهم لعدم إيمانهم.
والتعبير ب «أكثرهم» إشارة إلى أنّ جماعة من قوم فرعون آمنوا بموسى والتحقوا بأصحابه.
أمّا آخر آية من هذه الآيات فتشير إلى قدرة الله ورحمته المطلقة واللامتناهية ، فتقول : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
فمن عزّته أنّه متى شاء أن يهلك الأمم المسرفة الباغية أصدر أمره فأهلكها ، فيكفي أن يهلكها بما هو سبب حياتها ، كما أهلك فرعون وقومه بالنيل الذي كان أساس حياتهم وثروتهم وقدرتهم ، فإذا هو يقبرهم فيه.
ومن رحمته أنّه لا يعجل في الأمر أبداً ، بل يمهل سنين طوالاً ، ويرسل معاجزه إتماماً للحجة ، ومن رحمته أن يخلص هؤلاء المستعبدين من قبضة الجبابرة الظالمين.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٨٢)