تعقّب هذه الآيات على قصة موسى وفرعون المليئة بالدروس لتبيّن قصة إبراهيم ومواجهاته المشركين ، وتبدأ هذه الآيات بمحاورة إبراهيم لعمه آزر فتقول : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرهِيمَ).
ومن بين جميع الأخبار المتعلقة بهذا النبيّ العظيم يركّز القرآن الكريم على هذا القسم : (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ).
فأجابوه مباشرةً : (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عكِفِينَ). وهذا التعبير يدلّ على أنّهم يحسّوا بالخجل من عملهم هذا ، بل يفتخرون به ، إذا كان كافياً أن يجيبوه : نعبد أصناماً ، إلّاأنّهم أضافوا هذه العبارة : (فَنَظَلُّ لَهَا عكِفِينَ).
إنّ إبراهيم لما سمع كلامهم رشقهم بنبال الإشكال والإعتراض بشدّة ، وقمعهم بجملتين حاسمتين جعلهم في طريق مغلق ، ف (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ).
إنّ أقلّ ما ينبغي توفره في المعبود هو أن يسمع نداء عابده ، وأن ينصره في البلاء ، أو يضره عند مخالفة أمره ... إلّاأنّ هذه الأصنام ليس فيها ما يدل على أنّ لها أقل إحساس أو شعور أو أدنى تأثير في عواقب الناس.
إلّا أنّ عبدة الأصنام الجهلة المتعصبين واجهوا سؤال إبراهيم بجوابهم القديم الذي يكررونه دائماً ، ف (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَاءَابَاءَنَا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ).
وهذا الجواب الذي يكشف عن تقليدهم الأعمى لأسلافهم الجهلة هو الجواب الوحيد الذي استطاعوا أن يردّوا به على إبراهيم عليهالسلام ، وهو جواب دليل بطلانه كامن فيه.
فالتفت إبراهيم مُوبّخاً لهم ومبيناً موقفة منهم و (قَالَ أَفَرَءَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لّى إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ).
أجل ... إنّهم جميعاً أعدائي وأنا معاديهم ، ولا أسالمهم أبداً ...
ثم يصف إبراهيم الخليل ربّ العالمين ويذكر نعمه المعنوية والمادية ، ويقايسها بالأصنام التي لا تسمع الدعاء ولا تنفع ولا تضرّ ، ليتّضح الأمر جليّاً ...
فيبدأ بذكر نعمة الخلق والهداية فيقول : (الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ).