سبحانه للمسلمين الذين بايعوه : لا يحملنّكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة فإنّ الله حافظكم. أي : اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموه بالأيمان.
التّفسير
الوفاء بالعهد دليل الإيمان : في هذه الآيات قسماً آخر من تعاليم الإسلام المهمة (الوفاء بالعهد والأيمان). يقول أوّلاً : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ). ثم يضيف : (وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
إنّ معنى «عهد الله» هو : العهود التي يبرمها الناس مع الله تعالى (وبديهي أنّ العهد مع النبي عهد مع الله أيضاً) ، وعليه فهو يشمل كل عهد إلهي وبيعة في طريق الإيمان والجهاد وغير ذلك.
أمّا مسألة «الأيمان» (جمع يمين ، أي : القسم) التي وردت في الآية ـ والتي عرض فيها المفسرون آراء كثيرة ـ فلها معنى واسع ، ويتّضح ذلك عند ملاحظة مفهوم الجملة حيث إنّه يشمل العهود التي يعقدها الإنسان مع الله عزوجل ، بالإضافة إلى ما يستعمله من أيمان في تعامله مع خلق الله.
وحيث إنّ الوفاء بالعهد أهم الاسس في ثبات أيّ مجتمع كان ، تواصل الآية التالية ذكره باسلوب يتّسم بنوع من اللوم والتوبيخ ، فتقول : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) (١).
والآية تشير إلى (رايطة) تلك المرأة التي عاشت في قريش زمن الجاهلية ، وكانت هي وعاملاتها يعملن من الصباح حتى منتصف النهار في غزل ما عندهن من الصوف والشعر ، وبعد أن ينتهين من عملهن تأمرهن بنقض ما غزلن ، ولهذا عرفت بين قومها ب (الحمقاء).
ثم يضيف القرآن الكريم قائلاً : (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) (٢). أي : لا تنقضوا عهودكم مع الله بسبب أنّ تلك المجموعة أكبر من هذه فتقعوا في الخيانة والفساد.
واعلموا : (إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ).
__________________
(١) «أنكاث» : جمع (نكث) على وزن (قسط) بمعنى حلّ خيوط الصوف والشعر بعد برمها ، وتطلق أيضاً على اللباس الذي يصنع من الصوف والشعر.
(٢) «الدّخل» : (على وزن الدغل) ، بمعنى الفساد والتقلب ومنها اخذ معنى (الداخل).