ثم يتحدث القرآن عن ملامة هؤلاء الضالين ، وما يقال لهم من كلمات التوبيخ أو العتاب ، فيقول : (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ). فهل يستطيعون معونتكم في هذه الشدة التي أنتم فيها ، أو أن يطلبوا منكم أو من غيركم النصر والمعونة ، (هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ) (١).
إلّا أنّهم لا يملكون جواباً لهذا السؤال ، كما لا يتوقع أحد منهم ذلك ... (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالغَاوُونَ).
كما يقول بعض المفسرين : إنّ كلاً منهم سيُلقى على الآخر يوم القيامة : (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ).
وفي الحقيقة أنّ هذه الفرق الثلاث ، الأصنام والعابدين لها وجنود إبليس الدالين على هذا الإنحراف ، يساقون جميعاً إلى النار ... ولكن بهذه الكيفية ... وهي أن تلقي الفرق فرقةً بعد أخري في النار.
إلّا أنّ الكلام لا يقف عند هذا الحدّ ، بل يقع النزاع والجدال بين هذه الفرق أو الطوائف الثلاث ، فيجسم القرآن مخاصمتهم هنا ، فيقول : (قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ).
أجل ... إنّ العبدة الضالين الغاوين يقسمون بالله فيقولون : (تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَللٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوّيكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ).
المجرمون الذين كانوا سادة مجتمعاتنا ورؤساءنا وكبراءنا ، فأضلونا حفظاً لمنافعهم ، وجرّونا إلى طريق الشقوة والغواية.
(فَمَا لَنَا مِن شفِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ). والخلاصة أنّ الأصنام لا تشفع لنا كما كنّا نتصور ذلك في الدنيا ، ولا يتأتى لأي صديق أن يعيننا هنالك.
إلّا أنّهم ما أسرع أن يلتفتوا إلى واقعهم المرّ ، إذ لا جدوى هناك للحسرة ولا مجال للعمل في تلك الدار لجبران ما فات في دنياهم ، فيتمنون العودة إلى دار الدنيا ... ويقولون : (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وأخيراً بعد الإنتهاء من هذا القسم من قصّة إبراهيم ، يكرر الله آيتين مثيرتين بمثابة النتيجة لعباده جميعاً ، وهاتان الآيتان وردتا في ختام قصة موسى وفرعون ، كما وردتا في
__________________
(١) قد يكون المراد من «ينتصرون» هو أن يطلبوا العون والنصر لأنفسهم أو لغيرهم ... أو مجموعهما ، لأنّنا سنلاحظ في الآيات المقبلة أنّ العَبدَةَ ومعبوديهم يساقون إلى النار.