القرآن فيقول على لسان نوح وهو يخاطب قومه : (إِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فإنّ إطاعتي من إطاعة الله سبحانه.
ومرّة اخرى يتمسك نوح عليهالسلام بحقانية دعوته ، ويأتي بدليل آخر يقطع به لسان المتذرعين بالحجج الواهية ، فيقول : (وَمَا أَسَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ).
ثم يذكر القرآن ذلك التعبير نفسه الذي جاء على لسان نوح ، بعد التأكيد على رسالته وأمانته ، إذ يقول : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).
إلّا أنّ المشركين الحمقى ، حين رأوا سبل ما تذرّعوا به من الحجج الواهية موصدة ، تمسكوا بهذه المسألة ، ف (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ).
وصحيح أنّهم كانوا صادقين ومصيبين في أنّ الزعيم يعرف عن طريق أتباعه ، إلّاأنّ خطأهم الكبير هو عدم معرفتهم مفهوم الشخصية ومعيارها ... إذ كانوا يرون معيار القيم في المال والثروة والألبسة والبيوت والمراكب الغالية والجميلة ، وكانوا غافلين عن النقاء والصفاء والتقوى والطهارة وطلب الحق ، والصفات العليا للإنسانية الموجودة في الطبقات الفقيرة والقلّة من الأشراف.
إلّا أنّ نوحاً عليهالسلام جابههم وردّهم بتعبير متين ، وجرّدهم من سلاحهم و (قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
فما مضى منهم مضى ، والمهم هو أنّهم اليوم استجابوا لدعوة النبي ، وقالوا له : لبيك ، وتوجهوا لبناء شخصياتهم ، ومكنوا الحق من أن ينفذ إلى قلوبهم.
وإذا كانوا في ما مضى من الزمن قد عملوا صالحاً أو طالحاً ، فلست محاسباً ولا مسؤولاً عنهم آنئذ : (إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبّى لَوْ تَشْعُرُونَ).
وإنّما عليّ أن أبسط جناحي لجميع طلّاب الحق : (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ).
وهذه العبارة جواب ضمني لطلب هؤلاء المثرين الأغنياء المغرورين ، الذين كانوا يطلبون من نوح أن يطرد طائفة الفقراء من حوله.
ولكن المسؤولية الملقاة على عاتقي هي أن أنذر الناس فحسب (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ).
فمن سمع إنذاري وعاد إلى الصراط المستقيم بعد ضلاله ، فهو من أتباعي كائناً من كان ، وفي أي مستوى طبقي ومقام اجتماعي أو مادي.