(قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٢٢)
نجاة نوح وغرق المشركين : كان ردّ فعل هؤلاء القوم الضالين في مواجهة نبيّهم نوح عليهالسلام ، هو منهج المستكبرين على امتداد التاريخ وهو الإعتماد على القوّة والتهديد بالموت والفناء : (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ينُوحُ لِتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ).
«الرجم» : مأخوذ من «رجام» على وزن (كتاب) وهو جمع «رجمة» على وزن (لقمة) ومعناها القطعة من الحجر التي توضع على القبر ، أو ما يطوف حوله عبدة الأوثان ، كما يعني الرجم القذف بالحجارة حتى القتل ، كما يأتي أحياناً بمعنى القتل بأيّ شكل كان ، لأنّ القتل كان بالحجر سابقاً.
والتعبير ب «من المرجومين» يدلّ على أنّ الرجم بالحجارة بينهم كان جارياً في شأن المخالفين.
ونوح شكا إلى ربّه أخيراً ، وضمن بيان حاله ، سأل ربّه أن ينجيّه من قبضة الظالمين ، وأن يُبعده عنهم ... إذ : (قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ).
ثم يلتفت إلى ربّه فيقول : والآن حيث لم يبق طريق لهداية هؤلاء القوم فاقض بيننا وأفصل بيني وبينهم : (فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا).
«الفتح» : معناه واضح ، وهو ما يقابل الغلق ويضاده ، وله استعمالان : فتارة يستعمل في القضايا المادية كفتح الباب مثلاً ، وتارة يستعمل في القضايا المعنوية كفتح الهمّ ورفع الغم.
ثم يضيف فيقول : (وَنَجّنِى وَمَن مَّعِىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وهنا يعبر القرآن عن إدراك رحمة الله نوحاً ، وإهلاك المكذبين بعاقبة وخيمة مفجعة ، إذ يقول : (فَأَنجَيْنهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ). أي المليء بالناس وانواع الحيوانات : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ). «المشحون» : مأخوذ من مادة «شحن» على وزن «صحن» ومعناه الملء ، وقد يستعمل بمعنى التجهيز ؛ و «الشحناء» تطلق على العداوة التي تستوعب جميع