جوانب الإنسان ، والمراد من «المشحون» هنا هو أنّ ذلك الفلك [/ أي السفينة] كان مملوءاً من البشر وجميع الوسائل ... ولم يكن فيه أي نقص ... أي إنّ الله بعد ما جهز السفينة وأعدّها للحركة ، أرسل الطوفان لئلا يبتلى نوح وجميع من في الفلك بأيّ نوع من أنواع الأذى ... وهذا بنفسه إحدى نعم الله عليهم.
وفي ختام هذه القصة القصيرة ، يقول القرآن ما قاله في ختام قصة موسى وإبراهيم عليهماالسلام ، فيكرر قوله : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً). أي في ما جرى لنوح عليهالسلام ودعوته المستمرة وصبره ونجاته وغرق مخالفيه : (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ).
ولهذا فلا تحزن يا رسول الله من إعراض المشركين وعنادهم ، واستقم كما امرت ... فإنّ عاقبتك وعاقبة أصحابك عاقبة نوح وأصحابه ، وعاقبة الضالين من قومك كعاقبة الضالين من قوم نوح.
وَاعلم (إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
فرحمته تقتضي أن يمهلهم ويتمّ عليهم الحجة بإعطاء الفرصة الكافية ، وعزته تستلزم أن ينصرك عليهم ، وتكون عاقبة أمرهم خسراً.
(كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣٥)
جنايات عاد وأعمالهم العدوانية : والآن يأتي الكلام عن «عاد» قوم «هود» إذ يعرض القرآن جانباً من حياتهم وعاقبتهم ، وما فيها من دروس العبر ، ضمن ثماني عشرة آية من آياته. فيقول القرآن : (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ).
بالرغم من أنّهم كذبوا هوداً فحسب ، إلّاأنّه لمّا كانت دعوة هود هي دعوة الأنبياء جميعاً ، فكأنّهم كذبوا الأنبياء جميعاً.