وبعد ذكر هذا الإجمال يقع التفصيل ، فيتحدث القرآن عنهم فيقول : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ).
لقد دعاهم إلى التوحيد والتقوى في منتهى الشفقة والعطف والحرص عليهم ، لذلك عبّر عنه القرآن بكلمة «أخوهم».
ثم أضاف قائلاً : (إِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ). وما سبق من حياتي بين ظهرانيكم يدل على هذه الحقيقة ، فإنّي لم أخنكم أبداً ولم تجدوا منّي غير الصدق والحق.
ثم يضيف مؤكّداً : لما كنتم تعرفونني جيداً (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ). لأنّ إطاعتكم إيّاي إطاعة لله سبحانه ... ولا تتصوروا بأنّي أدعوكم لأنتفع من وراء دعوتي إيّاكم في حياتي الدنيا وأنال المال والجاه ، فلست كذلك ، (وَمَا أَسَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ). فجميع النعم والبركات من عنده سبحانه ، وإذا أردت شيئاً طلبته منه ، فهو ربّ العالمين جميعاً.
والقرآن الكريم يستند في هذا القسم من سيرة «هود» في قومه إلى أربعة امور على الترتيب :
فالأمر الأوّل : هو محتوى دعوة «هود» الذي يدور حول توحيد الله وتقواه ، وقرأنا ذلك بجلاء في ما مضى من الآي.
أمّا الامور الثلاثة الأخر فيذكرها القرآن حاكياً عن لسان هود في ثوب الإستفهام الإنكاري ، فيقول : (أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍءَايَةً تَعْبَثُونَ).
«الريع» : في الأصل يطلق على المكان المرتفع ؛ و «تعبثون» : مأخوذ من «العبث» ومعناه العمل بلا هدف صحيح ، ومع ملاحظة كلمة «آية» التي تدل على العلامة ، يتّضح معنى العبارة بجلاء ، وهو أنّ هؤلاء القوم المثرين ، كانوا يبنون على قمم الجبال والمرتفعات الاخر مباني عالية للظهور والتفاخر على الآخرين ، وهذه المباني (كالأبراج وما شاكلها) لم يكن من ورائها أي هدف سوى لفت أنظار الآخرين.
وأمّا الأمر الثالث الذي ذكره القرآن حاكياً على لسان هود منتقداً به قومه ، فهو قوله : (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ).
«المصانع» : جمع «مصنع» ومعناه المكان أو البناء المجلل المحكم ، والنبي هود لا يعترض عليهم لأنّ لديهم هذه البنايات المريحة الملائمة ، بل يريد أن يقول لهم : إنّكم غارقون في أمواج