كفرعون) ، لابدّ له من قوة ظاهرية وباطنية وسند على حقانيّته ... فلذا أمر موسى بأن يلقي عصاه : (وَأَلْقِ عَصَاكَ).
فألقى موسى عصاه ، فتبدلت ثعباناً عظيماً ، فلمّا رآه موسى يتحرك بسرعة كما تتحرك الحيّات الصغار خاف وولّى هارباً ولم يلتفت إلى الوراء : (فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقّبْ).
وهنا خوطب موسى مرّة اخرى أن (يمُوسَى لَاتَخَفْ إِنّى لَايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ).
ومعنى الآية : أن يا موسى إنّك بين يدي خالق الوجود العظيم ، والحضور عنده ملازم للأمن المطلق.
إلّا أنّ في الآية التالية استثناءاً للجملة السابقة ، حيث ذكره القرآن فقال : (إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
أمّا المعجزة الثانية التي أمر موسى أن يظهرها ، فهي اليد البيضاء ، إذ تقول الآية : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ).
والقيد (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) إشارة إلى أنّ بياض اليد ليس من برص ونحوه ، بل هو بياض نوراني يلفت النظر ، وهو بنفسه كاشف عن إعجاز وأمر خارق للعادة.
ومن أجل أن يظهر الله تعالى عنايته ولطفه لموسى أكثر ، وكذلك منح الفرصة للمنحرفين للهداية أكثر ، قال لموسى بأنّ معاجزه ليست منحصرة بالمعجزتين الآنفتين ، بل (فِى تِسْعِءَايتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فسِقِينَ).
ويستفاد من ظاهر الآية أنّ هاتين المعجزتين من مجموع تسع معاجز «آيات» موسى المعروفة.
وأخيراً تعبّأ موسى بأقوى سلاح ـ من المعاجز ـ فجاء إلى فرعون وقومه يدعوهم إلى الحق ، كما يصرح القرآن بذلك في آية التالية : (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْءَايَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ).
ومعلوم أنّ هذا الإتهام «بالسحر» لم يكن خاصاً بموسى عليهالسلام ، بل اتخذه المعاندون ذريعة بوجه الأنبياء ، ليجعلوه سدّاً في طريق الآخرين ، والإتهام بنفسه دليل واضح على عظمة ما يصدر من الأنبياء خارقاً للعادة ، بحيث اتّهموه بالسحر.
ومما يلفت النظر أنّ القرآن يضيف في آخر الآية ـ محل البحث ـ قائلاً : إنّ هذا الإتهام لم