يكن لأنّهم كانوا في شك من أمرهم ومترددين فعلاً ، بل كذبوا معاجز أنبيائهم مع علمهم بحقانيتها ، (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).
ويستفاد من هذا التعبير أنّ الإيمان له حقيقة وواقعية غير العلم واليقين ، ويمكن أن يقع الكفر جحوداً وإنكاراً بالرغم من العلم بالشيء.
إنّ القرآن يذكر عاقبة فرعون وقومه على أنّه درس من دروس العبرة ، في جملة موجزة ذات معنى كبير ، مشيراً إلى هلاكهم وغرقهم فيقول : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦)
حكومة داود وسليمان عليهماالسلام : بعد الكلام عن جانب من قصة موسى عليهالسلام في هذه السورة ، يتحدث القرآن الكريم عن نبيّين آخرين من الأنبياء العظام ، وهما «داود» و «سليمان» ... لأنّهما كانا من أنبياء بني إسرائيل أيضاً ، وما نجده من اختلاف بين تاريخهما وتاريخ الأنبياء الآخرين ، هو أنّهما ـ ونتيجة للإستعداد الفكري وملائمة المحيط الاجتماعي في عهدهما ـ قد وفّقا إلى تأسيس حكومة عظيمة ، وأن ينشرا بالإستعانة والإفادة من حكومتهما دين الله ، لذلك لا نجد هنا أثراً أو خبراً عمّا عهدناه من أسلوب في تلك الآيات التي كانت تتكلم عن الأنبياء الآخرين ، وهم يواجهون قومهم المعاندين ، وربّما نالوا منهم الأذى والطرد والاخراج من مدنهم وقراهم .. فالتعابير هنا تختلف عن تلكم التعابير تماماً.
والطريف ، أنّ القرآن يبدأ من مسألة «موهبة العلم» التي هي أساس الحكومة الصالحة القوية ، فيقول : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمنَ عِلْمًا).
إنّ من الواضح أنّ العلم هنا له مفهوم واسع ، بحيث يحمل في نفسه علم التوحيد والإعتقادات المذهبية والقوانين الدينية ، وكذلك علم القضاء ، وجميع العلوم التي ينبغي توفرها لمثل هذه الحكومة الواسعة القوية.
وبعد هذه الجملة ينقل القرآن ما قاله داود وسليمان من ثناء لله : (وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ).