مورد البحث جوانب اخرى من المسائل المرتبطة بالقرآن ، وتبتدىء ببعض الشبهات التي كانت عالقة في أذهان المشركين حول الآيات القرآنية المباركة ، فتقول : (وَإِذَا بَدَّلْنَاءَايَةً مَّكَانَءَايَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ). فهذا التغيير والتبديل يخضع لحكمة الله ، فهو أعلم بما ينزل ، وكيف ينزل ، ولكن المشركين لجهلهم (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ).
إنّ المشركين لم يدخل في تصوراتهم وأذهانهم أنّ القرآن في صدد بناء مجتمع إنساني جديد يسوده التطوّر والتقدم والحريّة والمعنوية العالية.
فبديهي والحال هذه أن يطرأ على التغيير والتبديل تدرّجاً مع ما يعيشونه ، فغفلة المشركين عن هذه الحقائق وابتعادهم عن ظروف نزول القرآن ، دفعهم للإعتقاد بأنّ أقوال النبي صلىاللهعليهوآله تحمل بين ثناياها التناقض أو الإفتراء على الله عزوجل وإلّا لعلموا أنّ النسخ في الأحكام جزء من أوامر وآيات القرآن المنظّمة على شكل برنامج تربوي دقيق لا يمكن الوصول للهدف النهائي لنيل التكامل إلّابه.
وتستمر الآية التالية بنفس الموضوع ، وللتأكيد عليه تأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبّكَ بِالْحَقّ).
«روح القدس» أو (الروح المقدسة) هو أمين الوحي الإلهي «جبرائيل الأمين» وبواسطته كانت الآيات القرآنية تتنزّل بأمر الله تعالى على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله سواء الناسخ منها أو المنسوخ.
فكل الآيات حق ، وهدفها واحد يتركّز في توجيه الإنسان ضمن التربية الربانية له ، وظروف وتركيبة الإنسان استلزمت وجود الأحكام الناسخة والمنسوخة في العملية التربوية.
ولهذا ، جاء في تكملة الآية المباركة : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَءَامَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
يقول صاحب تفسير الميزان : إنّ تعريف الآثار بتخصيص التثبيت بالمؤمنين والهدى والبشرى للمسلمين إنّما هو لما بين الإيمان والإسلام من الفرق ، فالإيمان للقلب ، ونصيبه التثبيت في العلم والإذعان ، والإسلام في ظاهر العمل ومرحلة الجوارح ونصيبها الإهتداء إلى واجب العمل والبشرى بأنّ الغاية هي الجنة والسعادة.