وعلى أيّة حال ، فلأجل تقوية الروح الإيمانية والسير في طريق الهدى والبشرى لابدّ من برامج قصيرة الأمد ومؤقتة ، وبالتدريج يحلّ البرنامج النهائي الثابت محلها ، وهو سبب وجود الناسخ والمنسوخ في الآيات الإلهية.
وبعد أن فنّد القرآن شبهات المشركين يتطرق لذكر شبهة اخرى ، أو على الأصح لذكر إفتراء آخر لمخالفي نبي الرحمة صلىاللهعليهوآله فيقول : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ).
فالقرآن أجابهم بقوة وأبطل كل ما كانوا يفترونه ، بقوله : (لّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ) (١).
فالآية المباركة دليل الإعجاز القرآني من حيث اللفظ والمضمون ، فحلاوة القرآن وبلاغته وجاذبيته والتناسق الخاص في ألفاظه وعباراته ما يفوق قدرة أيّ إنسان.
وبلهجة المهدّد المتوعّد يبيّن القرآن الكريم أنّ حقيقة هذه الإتهامات والانحرافات ناشئة من عدم انطباع الإيمان في نفوس هؤلاء ، فيقول : (إِنَّ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بَايَاتِ اللهِ لَايَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). لأنّهم غير لائقين للهداية ولا يناسبهم إلّاالعذاب الإلهي ، لما باتوا عليه من التعصب والعناد والعداء للحق.
وفي آخر آية يقول : إنّ الأشخاص الذين يتّهمون أولياء الله هم الكفار : (إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بَايَاتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ). فأيّة أكاذيب أكبر من تلك التي تطلق على رجال الحق لتحول بينهم وبين المتعطشين للحقائق.
قبح الكذب في المنظور الإسلامي : الآية الأخيرة بحثت مسألة قبح الكذب بشكل عنيف ، وقد جعلت الكاذبين بدرجة الكافرين والمنكرين للآيات الإلهية.
ولأهمية هذا الموضوع فقد أعطت التعاليم الإسلامية إفاضات خاصه لمسألة الصدق والنهي عن الكذب.
وقد اعتبرت الأحاديث الشريفة الكذب مفتاح الذنوب.
فعن علي عليهالسلام أنّه قال : (الصدق يهدي إلى البرّ والبرّ يدعو إلى الجنة) (٢).
__________________
(١) «يلحدون» : من الإلحاد بمعنى الانحراف عن الحق إلى الباطل ، وقد يطلق على أيّ انحراف ، والمراد هنا : إنّ الكاذبين يريدون نسبة القرآن إلى إنسان ويدعون بأنّه معلم النبي صلىاللهعليهوآله.
«الإعجام» و «العجمة» لغةً : بمعنى الإبهام ، ويطلق الأعجمي على الذي في بيانه لحن (نقص) سواء كان من العرب أو من غيرهم ، وباعتبار أنّ العرب ما كانوا يفهمون لغة غيرهم فقد استعملوا اسم (العجم) على غير العرب.
(٢) مشكاة الأنوار للطبرسي / ٣٠٠.