فعلى هذا تعدّ الآية آنفة الذكر من الإخبار الإعجازي السابق لوقوعه ، إذ أخبر القرآن عن رجوع النبي صلىاللهعليهوآله إلى مكة بصورة قطعية ودون أيّ قيد وشرط ، ولم تطل المدّة حتى تحقق هذا الوعد الإلهي الكبير.
التّفسير
الوعد بعودة النبي إلى حرم الله الآمن : قلنا : إنّ الآية الاولى من هذه الآيات طبقاً لما هو مشهور بين المفسرين نزلت في «الجحفة» في مسير النبي صلىاللهعليهوآله ، إلى المدينة إذ كان متوجهاً إلى يثرب لتتحول بوجوده إلى «مدينة الرسول» ... لكن هذا الحنين والشوق والتعلق بمكة يؤلمه كثيراً ، وليس من اليسير عليه الإبتعاد عن حرم الله الآمن.
وهنا يشرق في قلبه الطاهر نور الوحي ، ويبشّره بالعودة إلى وطنه الذي ألفه فيقول : (إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ). فلا تكترث ولا تُذهب نفسك حسرات ، فالله الذي أعاد موسى إلى امّه هو الذي أرجعه أيضاً إلى وطنه بعد غياب عشر سنوات في مدين.
هو الله سبحانه الذي يردك إلى مكة بكل قوة وقدرة ، ويجعل مصباح التوحيد على يدك مشرقاً في هذه الأرض المباركة.
ثم يضيف القرآن في خطابه للنبي صلىاللهعليهوآله ، أن يجيب على المخالفين الضالين بما علّمه الله : (قُلْ رَّبّى أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِى ضَللٍ مُّبِينٍ).
إنّ طريق الهداية واضح ، وضلالهم بيّن ، وهم يتعبون أنفسهم عبثاً ، فالله يعرف ذلك جيداً ، والقلوب التي تعشق الحق تعرف هذه الحقيقة أيضاً.
أمّا الآية التالية فتتحدث عن نعمة اخرى من نعم الله العظيمة على النبي صلىاللهعليهوآله فتقول : (وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتبُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبّكَ).
ثم يضيف القرآن في خطابه للنبي صلىاللهعليهوآله أن طالما كنت في هذه النعمة : (فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لّلْكفِرِينَ).
ومن المسلّم به أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يكن ظهيراً للكافرين أبداً ، إلّاأنّ الآية جاءت في مقام التأكيد على النبي صلىاللهعليهوآله وبيان المسؤولية للآخرين.
وفي هاتين الآيتين أربعة أوامر من الله لنبيّه صلىاللهعليهوآله ، وأربعة صفات لله تعالى ، وبها يكتمل ما ورد في هذه السورة من أبحاث. يقول أوّلاً : (وَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنءَايتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ