القرآن الكريم ، بل بحثاً عن اندحار الروم وانتصارهم في المستقبل ، ولكن مع التدقيق يتّضح أنّ هذا البحث يتحدث عن عظمة القرآن الكريم أيضاً ... لأنّ هذا الخبر الغيبي المرتبط بالمستقبل هو من دلائل إعجاز القرآن ، وعظمة هذا الكتاب السماوي.
يقول القرآن بعد الحروف المقطعة : (غُلِبَتِ الرُّومُ فِى أَدْنَى الْأَرْضِ).
والمراد ب «أدنى الأرض» المكان القريب من بلاد فارس ، أي إنّ المعركة وقعت في أقرب نقطة بين الفرس والروم.
ثم يضيف القرآن : (وَهُمْ مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ). وهم أي الروم.
ثم يبيّن الفترة القصيرة من هذه السنين بهذا التعبير : (فِى بِضْعِ سِنِينَ). والمعلوم أنّ «بضع» ما يكون أقله الثلاث وأكثره التسع.
وإذا أخبر الله عن المستقبل ، فلأنّه (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ).
إنّ هذه العبارة تريد أن توضح هذه اللطيفة ، وهي أنّ القادر بالذات والمالك على الإطلاق هو الله ، وكل من لديه شيء فهو منه.
ثم يضيف القرآن : أنّه إذا فرح المشركون اليوم بانتصار الفرس على الروم فإنّه ستغلب الروم (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).
أجل ، يفرحون (بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
إنّ المسلمين «المؤمنين» فرحوا في ذلك اليوم لجهات متعددة :
١ ـ من إنتصار أهل الكتاب على المجوس ، لأنّه ساحة لإنتصار الموحدين على المشركين.
٢ ـ من الإنتصار المعنوي لظهور إعجاز القرآن.
٣ ـ ومن الإنتصار المقارن لذلك الإنتصار ، ويحتمل أن يكون صلح الحديبية ، أو بعض فتوحات المسلمين الاخر.
ولزيادة التأكيد يضيف أيضاً : (وَعَدَ اللهِ لَايُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ). والسبب في عدم علم الناس ، هو عدم معرفتهم بالله وقدرته ، فهم لم يعرفوا الله حق معرفته ، فهم لا يعلمون هذه الحقيقة ، وهي أنّ الله محال عليه أن يتخلف عن وعده ، لأنّ التخلف عن الوعد إمّا للجهل ، أو للضعف وعدم القدرة ، لكن الله لا يتخلف عن الوعد ، لأنّه يعرف عواقب الامور ، وقدرته فوق كل شيء.
ثم يضيف القرآن معقباً : (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْأَخِرَةِ هُمْ غفِلُونَ).