ولو كانوا يعلمون باطن الحياة وواقعها في هذه الدنيا ، لكان ذلك كافياً لمعرفة الآخرة ، لأنّ التدقيق في هذه الحياة العابرة ، يكشف أنّها حلقة من سلسلة طويلة ومرحلة من مسير مديد كبير ، كما أنّ التدقيق في مرحلة تكوين الجنين يكشف عن أنّ الهدف النهائي ليس هو هذه المرحلة من حياة الجنين فحسب ، بل هي مقدمة لحياة أوسع.
إعجاز القرآن من جهة علم الغيب : إنّ واحداً من طرق إثبات إعجاز القرآن ، هو الإخبار بالمغيبات ، ومثله الواضح في هذه الآيات ـ محل البحث ـ ففي عدّة آيات يخبر بأنواع التأكيدات عن إنتصار كبير لجيش منهزم بعد بضع سنين .. ويعدّ ذلك وعداً إلهياً غير مكذوب ولا يتخلف أبداً.
ويحدثنا التاريخ أنّه لم تمض تسع سنوات حتى تحققت هاتان الحادثتان ... فقد انتصر الروم في حربهم الجديدة على الفرس ، واقترن زمان هذا الإنتصار ب «صلح الحديبية» وطبقاً لرواية اخرى أنّه كان مقارناً لمعركة بدر ، إذ حقق المسلمون إنتصاراً ملحوظاً على الكفار.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ) (١٠)
كان الكلام في آخر آية من البحث السابق عن السطحيين وأصحاب الظاهر ، حيث كان أفق فكرهم لا يتجاوز حدود الدنيا والعالم المادي .. وكانوا جاهلين بماوراء الطبيعة ويوم القيامة ، أمّا في هذه الآيات ـ محل البحث ـ والآيات المقبلة ، فيقع الكلام على مطالب متنوعة حول المبدأ والمعاد ، فتبدأ هذه الآيات أوّلاً على صورة استفهام فتقول : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِى