أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى). أي : لو أنّهم فكروا جيداً ورجعواإلى عقلهم في الحكم ووجدانهم ، لكانوا يطلعون جيداً على هذين الأمرين :
أوّلاً : إنّ العالم خلق على أساس الحق ، وتحكمه أنظمة هي دليل على أنّ الخالق لهذا العالم ذو علم مطلق وقدرة كاملة.
وثانياً : هذا العالم يمضي إلى الزوال ، وحيث إنّ الخالق الحكيم لا يمكن أن يخلقه عبثاً ، فيدل ذلك على وجود عالم آخر هو الدار الباقية بعد هذه الدنيا.
لذلك يضيف القرآن في نهاية الآية قائلاً : (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاىِ رَبّهِمْ لَكفِرُونَ) فينكرون لقاء الله ؛ أو إنّهم ينكرون المعاد أصلاً ؛ أو إنّهم لا ينكرون بلسانهم ، لكن أعمالهم «ملوثة» ومخزية تدل على أنّهم غير معتقدين بالمعاد ، إذ لو كانوا يعتقدون بالمعاد لم يكونوا فاسدين أو مفسدين.
وحيث إنّ التعبير ب (أَجَلٍ مُّسَمًّى) كاشف عن أنّ هذه الحياة على كل حال لا تدوم ، وهذا إنذار لجميع عبدة الدنيا ، فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلاً : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ). أي بالدلائل الواضحات ... إلّاأنّهم أهملوا ذلك ، ولووا رؤوسهم ، ولم يستسلموا للحق ، فابتلوا بعقاب الله الأليم ، (فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
أمّا آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ فتبيّن آخر مرحلة من كفرهم فتقول : (ثُمَّ كَانَ عقِبَةَ الَّذِينَ أَسؤُا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بَايتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ).
أجل ، إنّ الذنب أو الإثم يقع على روح الإنسان كالمرض الخبيث ، فيأكل إيمانه ويعدمه ، ويبلغ الأمر حدّاً يكذب الإنسان فيه آيات الله ، وأبعد من ذلك أيضاً إذ يحمل الذنب صاحبه على الإستهزاء بالأنبياء ، والسخرية بآيات الله ، ويبلغ مرحلة لا ينفع معها وعظ ونصيحة أبداً ، ولا تؤثر فيه أيّة حكمة وأيّة آية ، ولا يبقى طريق سوى أسواط عذاب الله المؤلمة له.