اخرى ، يجرانه نحو هذا الهدف شاء أم أبى. وكلّما كانت الأهداف حياتيةً أكثر وعمومية ، كانت هذه «الدوافع» أشدّ وأقوى أيضاً.
لكن ينبغي الإلتفات إلى أنّ هذه الدوافع على نحوين :
فبعضها باطنية (غير واعية) لا تحتاج إلى وساطة العقل والشعور ، كما ينجذب الحيوان نحو الطعام والجنس دون الحاجة إلى التفكير.
وقد يكون تأثير الدوافع عن طريق الوعي ، أي إنّ هذه الدوافع الداخلية تترك أثرها في العقل والتفكير وتدفعه إلى انتخاب الطريق.
وعادة يطلق على النوع الأوّل من هذه الدوافع «الغريزة» وعلى النوع الثاني «الفطرة» (فلاحظوا بدقّة).
عبادة الله والإتجاه نحوه لهما مكانه في نفوس جميع الناس ، وهو ما يصطلح عليه ب «الفطرة».
إنّ لدينا دلائل وشواهد مختلفة توضح بجلاء كون «الميل إلى الله» فطرياً ، بل تؤكّد هذا الميل في جميع اصول الدين وأبعاده :
١ ـ إنّ دوام الإعتقاد الديني والإيمان بالله على إمتداد التاريخ البشري بنفسه دليل على الفطرة ، لأنّه إذا كان ذلك على سبيل العادة ، لما كانت له جنبة عمومية ولا جنبة دائمية ، فهذا العموم وهذا الدوام دليل على فطرية الحالة.
٢ ـ إنّ المشاهدات عياناً في العالم المعاصر تكشف أنّه مع جميع ما بذل الطغاة والمستبدون ـ وأنظمتهم الجائرة من جهود وسعي لمحو الدين وآثاره وعن طرق مختلفة ـ لم يستطيعوا أن يستأصلوا الدين وجذوره من أعماق هذه المجتمعات.
٣ ـ الكشوفات الأخيرة من قبل النفسانيين وعلماء النفس في مجال أبعاد الروح الإنسانية ، شاهد آخر على هذا المدعى ، إذ أنّهم يقولون : «إنّ التحقيقات في المجالات النفسية تشير إلى بعد أصيل هو «البعد الديني». أو بتعبير آخر : «بعد قدسي» أو «رباني» وربّما عدّوا هذا البعد أساساً للأبعاد الثلاثة الاخرى وهي «البعد العلمي» و «البعد الجمالي» و «البعد الخيّر».
إذ يدّعون بأنّ البواعث الأساسية للروح البشرية هي هذه :
أ) دافع البحث عن الحقيقة (الشعور العلمي) وهو مصدر أنواع العلوم ، والأهداف التحقيقية المستمرة ، والمتابعات في معرفة عالم الوجود.
ب) حس «الإحسان والعمل الصالح» الذي يجذب الإنسان نحو المفاهيم الأخلاقية