١ ـ طائفة «الموتى» الذين لا يدركون أيّة حقيقة ، وإن كانوا أحياء في الظاهر.
٢ ـ وطائفة «الصُم» الذين هم غير مستعدين للاستماع إلى الكلام الحق.
٣ ـ وطائفة «العمي» الذي حُرموا من رؤية وجه الحق.
٤ ـ وأخيراً طائفةالمؤمنين الصادقين الذين لهم قلوب يفقهون بها ، ولهم أعين يبصرون بها ، ولهم آذان يسمعون بها.
فتقول الآية الاولى : (فَإِنَّكَ لَاتُسْمِعُ الْمَوْتَى) ، ولذلك لا تؤثر مواعظك في أصحاب القلوب الميتة. وكذلك (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ).
وتأتي الآية الثانية لبيان بقية الطوائف فتقول : (وَمَا أَنتَ بِهدِ الْعُمْىِ عَن ضَللَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بَايَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ).
إنّ القرآن لديه ما هو أفضل من «الحياة والموت الماديين والجسمانيين» وأفضل من السمع والبصر الظاهريين فلديه نوع اسمى من هذه الحياة والموت والسمع والبصر ، وتكمن فيها سعادة الإنسان أو شقاؤه.
وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ يشير القرآن إلى دليل آخر من أدلة التوحيد ، وهو دليل الفقر والغنى ، ويكمل البحوث التي تدور حول التوحيد في هذه السورة ، فيقول : (اللهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً).
كنتم في البداية ضعافاً إلى درجة أنّكم لم تكن لكم القدرة على طرد الذباب عنكم ، أو أن تحافظوا على لعاب أفواهكم أن يسيل ، هذا من الناحية الجسمية ، أمّا من الناحية الفكرية فمصداقة قوله تعالى : (لَاتَعْلَمُونَ شَيًا) بحيث لم تعرفوا حتى أبويكم المشفقين عليكم. لكن ـ قليلاً قليلاً ـ صرتم ذوي رشد وقوة ، وصار لكم جسم قوي ، وفكر جيد ، وعقل مقتدر إدراك واسع. ومع هذه الحال لم تستطيعوا أن تحافظوا على هذه القوة ، فمثلكم كمن يصعد من طرف الجبل إلى قمته ، ثم يبدأ بالإنحدار من القمة إلى قعر الوادي ، الذي يمثل «مرحلة ضعف الجسم والروح».
هذا التغير والصعود والنزول خير دليل لهذه الحقيقة ، وهي أنّه لم تكن القوة من عندكم ولا الضعف ، فكل منهما كان من جهة اخرى.
أمّا آخر جملة في الآية فهي إشارة إلى علم الله الواسع وقدرته المطلقة : (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). وهي بشارة وإنذار في الوقت ذاته ، أي إنّ الله مطلع على جميع نيّاتكم ، وهو قدير على مجازاتكم وثوابكم.