إنّ التوحيد في العمل هو واحدٌ من معالم أصل التوحيد ، وهو علامة على التوحيد العقائدي. الآية تقول : لا تتكىء على أحد سوى الله.
ومن أجل أن تحرّك الآية التالية عواطف بني إسرائيل وتحفّزهم لشكر النعم الإلهية عليهم ، خصوصاً نعمة نزول الكتاب السماوي ، فإنّها تضع لهم نموذجاً للعبد الشكور فتقول : (ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ). ولا تنسوا : (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا).
والآية تخاطب بني إسرائيل بأنّهم أولاد من كان مع نوح ، وعليهم أن يقتدوا ببرنامج أسلافهم وآبائهم في الشكر لأنعم الله.
بعد هذه الإشارة تدخل الآيات إلى تاريخ بني إسرائيل المليء بالأحداث ، فتقول : (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَإِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا).
والمقصود من «الأرض» في الآية ـ بقرينة الآيات الاخرى ـ هي أرض فلسطين المقدسة التي يقع المسجد الأقصى المبارك في ربوعها.
الآية التي تليها تفصّل ما أجملته من إشارة إلى الإفسادين الكبيرين لبني إسرائيل والحوادث التي تلي ذلك على أنّها عقوبة إلهية فتقول : (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولهُمَا) وإرتكبتم ألوان الفساد والظلم والعدوان (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ).
وهؤلاء القوم المحاربون الشجعان يدخلون دياركم للبحث عنكم : (فَجَاسُوا خِللَ الدّيَارِ). وهذا الأمر لا مناص منه : (وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً).
ثم تشير بعد ذلك إلى أنّ الألطاف الإلهية ستعود لتشملكم ، وسوف تعينكم في النصر على أعدائكم ، فتقول : (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).
وهذه المنّة واللطف الإلهي بكم على أمل أن تعودوا إلى أنفسكم وتصلحوا أعمالكم وتتركوا القبائح والذنوب لأنّه : (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
إنّ الآية تعبّر عن سنّة ثابتة ، إذ إنّ محصلة ما يعمله الإنسان من سوء أو خير تعود لنفسه.
تقول الآية في وصف المشهد الثاني أنّه حين يحين الوعد الإلهي سوف تغطّيكم جحافل من المحاربين ويحيق بكم البلاء إلى درجة أنّ آثار الحزن والغم تظهر على وجوهكم : (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْأَخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ). بل ويأخذون منكم حتى بيت المقدس : (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ).