وسوف لا يكتفون بذلك بل سيحتلّون جميع بلادكم ويدمّرونها عن آخرها : (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا). وفي هذه الحالة فإنّ أبواب التوبة الإلهية مفتوحة : (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ).
(وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا). أي : إن عدتم لنا بالتوبة فسوف نعود عليكم بالرحمة ، وإن عدتم للإفساد عدنا عليكم بالعقوبة. وإذا كان هذا جزاؤكم في الدنيا ففي الآخرة مصيركم جهنم : (وجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (١).
الإفسادان التأريخيان لبني إسرائيل : تحدثت الآيات أعلاه عن فسادين اجتماعيين كبيرين لبني إسرائيل ، يقود كل منهما إلى الطغيان والعلو ، وقد لاحظنا أنّ الله سلّط على بني إسرائيل عقب كل فساد ، رجالاً أشدّاءً شُجعاناً يذيقونهم جزاء فسادهم وعلوّهم وطغيانهم ، هذا مع استثناء الجزاء الأخروي الذي أعدّه الله لهم.
يستفاد من تاريخ بني إسرائيل بأنّ أوّل من هجم على بيت المقدس وخرّبه هو ملك بابل «نبوخذ نصر» حيث بقي الخراب ضارباً فيه لسبعين عاماً ، إلى أنّ نهض اليهود بعد ذلك لإعماره وبنائه ، أمّا الهجوم الثاني الذي تعرّض له ، فقد كان من قبل قيصر الروم «أسييانوس» الذي أمر وزيره «طرطوز» بتخريب بيت المقدس وقتل بني إسرائيل. وقد تمّ ذلك في حدود مائة سنة قبل الميلاد.
وبذلك يحتمل أن تكون الحادثتان اللتان أشارت إليهما الآيات أعلاه هما نفس حادثتي «نبوخذ نصر» و «أسييانوس».
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (١٢)
__________________
(١) «حصير» : مشتقة من «حصر» بمعنى الحبس ، وكل شيء ليس له منفذ للخروج يطلق عليه اسم «حصير» ويقال للحصير العادية حصيراً لأنّ خيوطها وموادها نسجت إلى بعضها البعض.