الآية التي بعدها هي لتأكيد النهي عن التبذير : (إِنَّ الْمُبَذّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيطِينِ وَكَانَ الشَّيْطنُ لِرَبّهِ كَفُورًا).
لأنّ الله أعطاه قدرةً وقوّةً وإستعداداً وذكاءاً خارقاً للعادة ، ولكن الشيطان استفاد من هذه الامور في غير محلّها ، أي في طريق إغواء الناس وإبعادهم عن الصراط المستقيم.
ثم إنّ استخدام «إخوان» تعني أنّ أعمالهم متطابقة ومتناسقة مع أعمال الشيطان ، كالأخوين اللذين تكون أعمالهما متشابهة ، أو أنّهم قرناء وجلساء للشيطان في الجحيم.
ثم أنّ الإنسان قد لا يملك ما يعطيه للمسكين أحياناً ، وفي هذه الحالة ترسم الآية الكريمة طريقة التصرف بالنحو الآتي : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا).
«ميسور» : مشتقة من «يسر» وهي بمعنى الراحة والسهولة ، أمّا هنا فلها مفهوم واسع ، يشمل كل كلام جميل وسلوك مقرون بالإحترام والمحبة.
الإعتدال هو شرط في كل الامور بما فيها الإنفاق ومساعدة الآخرين ، لذلك تنتقل الآية للقول : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ). وهذا تعبير جميل يفيد أنّ الإنسان ينبغي أن يكون ذا يد مفتوحة ، لا أن يكون مثل البخلاء وكأنّ أيديهم مغلولة إلى أعناقهم بُخلاً وخشية من الإنفاق ، ولكن في نفس الوقت تقرّر الآية أنّ بسط اليد لا ينبغي أن يتجاوز الحد المقرر والمعقول في الصرف والبذل والعطاء ، حتى لا ينتهي المصير إلى الملامة والإبتعاد عن الناس : (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا).
سؤال : لماذا يجب أن يكون هناك مساكين وفقراء ومحرومون حتى ننفق عليهم؟ أليس من الافضل أن يعطيهم الله ما يريدون حتى لا يحتاجون إلى إنفاقنا؟
الجواب : تعتبر الآية الأخيرة بمثابة جواب على هذا السؤال : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا). إنّه اختبار لنا ، فالله قادر على كل شيء ، ولكنه يريد بهذا الطريق تربيتنا على روح السخاء والتضحية والعطاء ، إضافة إلى ذلك ، إذا أصبح أكثر الناس في حالة الكفاية وعدم الحاجة فإنّ ذلك يقود إلى الطغيان والتمرّد (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَءَاهُ اسْتَغْنَى) ؛ لذلك من المفيد أن يبقوا في حد معين من الحاجة. هذا الحد لا يسبب الفقر ولا الطغيان ، من ناحية اخرى يرتبط التقدير والبسط في رزق الإنسان بمقدار السعي وبذل الجهد (باستثناء بعض الموارد من قبيل العجزة والمعلولين) ، وهكذا تقتضي