ثالثاً : الحكم الآخر الذي تشير إليه الآية التي بعدها ، هو احترام دماء البشر ، وتحريم قتل النفس حيث تقول : (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقّ).
إنّ الإسلام يحاسب على أقل أذى ممكن أن يلحقه الإنسان بالآخرين ، فكيف بقضية القتل وإراقة الدماء؟! وهنا نستطيع أن نقول ـ باطمئنان ـ : إنّنا لا نرى أيّ شريعة غير الإسلام أعطت هذه الحرمة الاستثنائية لدم الإنسان ، بالطبع هناك حالات ينتفي معها إحترام دم الإنسان ، كما لو قام بالقتل أو ما يوجب إنزال العقوبة به ، لذلك فإنّ الآية بعد أن تُثبت حرمة الدم كأصل ، تشير للإستثناء بالقول : (إِلَّا بِالْحَقّ).
إنّ حرمة دم الإنسان في الإسلام لا تختص بالمسلمين وحسب ، بل تشمل غير المسلمين أيضاً من غير المحاربين ، والذين يعيشون مع المسلمين عيشة مُسالمة ، فإنّ دماءهم ـ أيضاً ـ وأعراضهم وأرواحهم مصونة ويحرم التجاوز عليها.
تشير الآية بعد ذلك إلى إثبات حق القصاص بالمثل لولي القتيل فتقول : (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَانًا). ولكن في نفس الوقت ينبغي لولي المقتول أن يلتزم حدّ الإعتدال ولا يسرف (فَلَا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا). إذ ما دام ولي الدم يتحرّك في الحدود الشرعية فإنّه سيكون مورداً لنصرة الله تعالى.
والنهي عن الإسراف تشير إلى واقع كان سائداً في الجاهلية ، واليوم أيضاً يمكن مشاهدة نماذج لها ، فحين يُقتل فرد من قبيلة معينة ، فإنّها تقوم بهدر الكثير من الدماء البريئة من قبيلة القاتل.
أو أن يقوم أولياء الدم بقتل أناس أبرياء أو الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.
رابعًا : الآية التي بعدها تشير إلى حفظ مال اليتيم ، والملاحظ أنّ الآية استخدمت نفس اسلوب الآية التي سبقتها ، فلم تقل : لا تأكلوا مال اليتيم وحسب ، وإنّما قالت : (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ).
وفي هذا التعبير تأكيد على حرمة مال اليتيم. ولكن قد تكون هذه الآية حجة لبعض الجهلاء الذين سيتركون مال اليتامى يُهدر ويكون عرضة للحوادث بدون أن يكون عليه قيّم ، لذلك استثنت بقوله : (إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ). وبناء على هذا الاستثناء يمكن التصرف بأموال اليتامى بشرط حفظ هذه الأموال ، وتنميتها وتكثيرها. وهذا الوضع يستمر إلى أن يبلغ اليتيم سن الرشد ويستطيع فكرياً واقتصادياً أن يكون قيّماً على نفسه وأمواله (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ).