(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).
وفي النهاية تعلّل الآية عدم اتباع ما دون العمل ، فتقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسُولاً).
والسؤال الذي تواجه به الأعضاء المذكورة يعود إلى مسؤولياتها عن الأعمال ، إذ السمع مسؤول عن الكلام المشكوك غير الموثق ، والبصر عن موارد ادعاء الإنسان للمشاهدة والرؤية مع أنّه لم يشاهد أو يرى ، والفؤاد يُسأل عن الأفكار الخاطئة التي تدخل في الأحكام الخاطئة.
ثانياً : الكبر والغرور : الآية التي بعدها تدعو إلى محاربة الكبر والغرور ، وتنهي المؤمنين عن هاتين الصفتين حيث تخاطب النبي صلىاللهعليهوآله بالقول : (وَلَا تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا) (١). وهذه إشارة إلى سلوك المتكبرين والمغرورين الذي يضربون الأرض بعنف أثناء مشيهم لكي يلتفت الناس إليهم ، ويرفعون رؤوسهم في السماء علامة على أفضليتهم المزعومة بين الناس ، لهؤلاء تقول الآية : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً). إذ مثل هؤلاء كالنملة التي تمشي على صخرة كبيرة وتضرب برجلها عليها ، إلّا أن الصخرة تسخر من حماقتها.
ويمكن أن نفهم من خلال هذه الآية ، وما ذكر في القرآن الكريم أنّ التكبر والغرور مرفوضان بشكل عام. لماذا؟ لأنّ الغرور هو مصدر الغربة عن الله وعن النفس السليمة ، وهو سبب الخطأ في الحكم والقضاء ، وسبيل ضياع الحق والإِرتباط بخط الشيطان والتلوث بأنواع الذنوب.
البرنامج الحياتي العملي لقادة الإسلام يعتبر درساً مفيداً لكل مسلم حقيقي في هذا المجال. ففي سيرة الرسول صلىاللهعليهوآله نرى أنّه لم يكن يسمح لأحد أن يمشي بين يديه وهو راكب.
ونقرأ ـ أيضاً ـ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يجلس على التراب تواضعاً ، ويأكل الطعام كما يأكله العبيد ، وكان يحلب الماعز بنفسه ، ويركب الدابة دون غطاء. وقد كان الرسول صلىاللهعليهوآله يلتزم هذا السلوك في كل مواقفه حتى عند فتح مكة.
وفي سيرة الإمام علي عليهالسلام نقرأ أنّه كان يجلب الماء إلى البيت ، وفي بعض الأحيان كان ينظّف البيت.
أمّا في سيرة الإمام الحسن عليهالسلام فنقرأ أنّه عليهالسلام حج إلى بيت الله عشرين مرّة مشياً على
__________________
(١) «مَرَح» : على وزن فَرَح ، وهي تعني الفرح الشديد قبال موضوع باطل لا أساس له.