ولكنه عندما طرد ـ إلى الأبد ـ من حضرة الساحة الإلهية بسبب استكباره وطغيانه في مقابل أمر الله له ، قال : (قَالَ أَرَءَيْتَكَ هذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً).
«أحتنكن» : مشتقة من «احتناك» وهي تعني قطع جذور شيء ما. لذا فإنّ هذا القول يشير إلى أنّ إبليس سيحرف كل بني آدم عن طريق الله وطاعته ، إلّاالقليل منهم.
ويحتمل أن تكون كلمة «أحتنكن» مشتقة من «حنك» وهي المنطقة التي تحت البلعوم ؛ وفي الواقع ، فإنّ الشيطان يريد أن يقول بأنّه سيضع حبل الوسوسة في أعناق الناس ويجرهم إلى طريق الغواية والضلال.
وهكذا كان ، فقد أعطي الشيطان إمكانية البقاء والفعالية حتى يتحقق الاختبار للجميع ، ويكون وجوده سبباً لتمحيص واختبار المؤمنين الحقيقيين لأنّ الإنسان يشتدّ عزمه عندما تهاجمه الحوادث ويقوى عوده في مواجهة الأعداء ، لذلك قالت الآية : (قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءًا مَّوْفُورًا). وبهذه الوسيلة للاختبار ينكشف الفاشل من الناجح في الامتحان الإلهي الكبير.
ثم ذكرت الآيات بعد ذلك ـ باسلوب جميل ـ الطرق التي ينفذ منها الشيطان والأساليب التي يستخدمها في الوسوسة والإغواء فقالت :
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ ...).
(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ...).
(وَشَارِكْهُمْ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلدِ ...).
(وَعِدْهُمْ ...).
ثم يجيء التحذير الإلهي : (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطنُ إِلَّا غُرُورًا ...).
ثم اعلم أيّها الشيطان : (إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطنٌ ...). (وَكَفَى بِرَبّكَ وَكِيلاً).
«إستفزز» : مشتقة من «استفزاز» وهي تعني الإثارة ؛ الإثارة السريعة والعادية ، ولكن الكلمة في الأصل تعني قطع شيءٍ ما. واستعمال هذه الكلمة هنا للدلالة على تحريك الشخص وإثارته لينقطع عن الحق ويتوجه نحو الباطل.
«اجلب» : مأخوذ من «إجلاب» وفي الأصل من «جلبة» وهي تعني الصرخة الشديدة ، والإجلاب تعني الطرد مع الأصوات والصرخات. وأمّا النهي عن «الجلب» الوارد في