لأن طريق الشيطان إلى إفساد الإنسان هو الوسوسة ، والوسوسة إنما تفسد من يكون فارغ القلب ، وأما صاحب القلب الخاشع فإنه يكون مشغولا بربه ، فإذا أقبل الشيطان عليه ليوسوس إليه لم يجد منه سميعا ولا مجيبا ، ولا يتحقق انشغال القلب بالله جل جلاله إلا إذا كان دائم الذكر له ، دائم التعلق به ، دائم الالتجاء إليه ، دائم الاعتماد عليه ، لا يلتفت إلى سواه ؛ ولقد تكلم الإمام ابن القيم عن الخشوع كلاما أفادنا كثيرا ، وذكر فيه شيخه الإمام ابن تميمة فقال عنه انه كان يرى من لوازم الخشوع التبرؤ من نسبة أي فضل للانسان ، وتخصيص الله بالحول والطّول والقوة ، ولذلك قال ابن تيمية هذه الأبيات الخاشعة :
أنا الفقير إلى ربّ البريات |
|
أنا المسيكين في مجموع حالاتي |
أنا الظلّوم لنفسي وهي ظالمة |
|
والخير ـ إن يأتنا ـ من عنده ياتي |
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة |
|
ولا عن النفس لي دفع المضرات |
وليس لي من دونه مولى يدبّرني |
|
ولا شفيع إذا أحاطت خطيئاتي |
إلا بإذن من الرحمن خالقنا |
|
إلى الشفيع ، كما قد جاء في الآيات |
ولست أملك شيئا دونه أبدا |
|
ولا شريك أنا في بعض ذرّات |
ولا ظهير له كي يستعين به |
|
كما يكون لأرباب الولايات |
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا |
|
كما الغنى أبدا وصف له ذاتي |
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم |
|
وكلهم عنده عبد له آت |
فمن بغى مطلبا من غير خالقه |
|
فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي |
والحمد لله ملء الكون أجمعه |
|
ما كان منه ، وما من بعد قد ياتي |
* * *
وبعد ، فجمّلني الله وإياك بخلق الخشوع ، وجعلنا من حزبه القائمين بأمره ، المراقبين لجلاله ، المتواضعين لعظمته ، إنه أهل التقوى وأهل المغفرة.