الوكت (أي السواد الخفيف) ، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل (النفاخة في اليد) كجمر دحرجته على رجلك فنفط ، فتراه منتبرا (مرتفعا) وليس فيه شيء ، فيصبح الناس يتبايعون ، فلا يكاد أحد يؤدي الامانة ، فيقال : ان في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما أجلده ، وما في قلبه مثقال حبة خردل من ايمان. ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت ، لئن كان مسلما ردّه علي الاسلام ، وان كان نصرانيا أو يهوديا رده علي ساعيه (أي وليه) فأما اليوم فما كنت أبايع الا فلانا وفلانا.
ولقد صور الرسول عليه الصلاة والسّلام ضياع الامانة معولا من معاول التقويض لهذه الحياة ، وعلامة على قرب قيام الساعة ، فجعل ضياع الامانة علامة من علامات القيامة ، فذكر بين اشراطها أن يتخذ الناس الامانة مغنما ، أي يضيعونها في سبيل شهواتهم وأهوائهم ، فيرى من في يده أمانة أن خيانتها غنيمة قد حصل عليها. ويقول حديث آخر : «لن تزال أمتي على الفطرة ما لم يتخذوا الامانة مغنما والزكاة مغرما». وكيف يبقى على الفطرة من يتنكر لفضيلة الامانة والرسول قد جعل الخيانة احدى صفات المنافق الأثيم فقال عنه : «اذا اؤتمن خان».
* * *
وهناك كثير من الناس اذا سمعوا كلمة «الأمانة» تصوروها مقصورة على «الوديعة» التي تودع عند الناس ، كالنقود والحلي وما شابه ذلك ، مع أن مدلول الامانة في المفاهيم الاسلامية يشمل ألوانا كثيرة ، فأمانة العبد مع ربه ، وتتحقق بحفظ ما أمر الله بحفظه ، وبأداء واجباته والابتعاد عن منهياته ، وأمانة العلم تتحقق بنشره وتفهيمه للناس.