(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ) ، أكفر ، (مِمَّنِ افْتَرى) ، اختلق ، (عَلَى اللهِ كَذِباً) ، فأشرك به غيره ، (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) ، يعني : القرآن ، (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، الكافرون.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) ، أي : العابدين والمعبودين ، يعني : يوم القيامة ، قرأ يعقوب يحشرهم هاهنا (١) ، وفي سبأ بالياء ، ووافق حفص في سبأ ، وقرأ الآخرون بالنون. (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ، أنها تشفع لكم عند ربكم.
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) ، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب «يكن» بالياء لأن الفتنة بمعنى الافتتان ، فجاز تذكيره ، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الفتنة ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم (فِتْنَتُهُمْ) بالرفع جعلوه اسم كان ، وقرأ الآخرون بالنصب ، فجعلوا الاسم قوله : (أَنْ قالُوا) ، و (فِتْنَتُهُمْ) الخبر ، ومعنى [قوله](٢) : فتنتهم ، أي : قولهم وجوابهم ، وقال ابن عباس وقتادة : معذرتهم والفتنة التجربة ، فلما كان سؤالهم تجربة لإظهار ما في قلوبهم قيل له فتنة ، قال الزجاج : في قوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) معنى لطيف ، وذلك مثل الرجل يفتتن لمحبوب ثم يصيبه فيه محنة فيتبرّأ من محبوبه ، فيقال : لم تكن فتنته (٣) إلّا هذا ، كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام ، ولما رأوا العذاب تبرّءوا منها ، يقول الله عزوجل : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) ، [في](٤) محبّتهم للأصنام ، (إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، قرأ حمزة والكسائي «ربّنا» بالنصب على النداء المضاف ، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت والله ، وقيل : إنهم إذا رأوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى وتجاوزوه عن أهل التوحيد ، [قال بعضهم لبعض](٥) : تعالوا نكتم الشرك لعلّنا ننجو مع أهل التوحيد ، فيقولون : والله ربّنا ما كنّا مشركين ، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر.
فقال عزوجل : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ، باعتذارهم الباطل وتبرّيهم عن الشرك ، (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ، أي : زال وذهب عنهم ما كانوا يفترون من الأصنام ، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها ، فبطل كلّه في ذلك اليوم.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦))
قوله عزوجل : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) الآية ، قال الكلبي : اجتمع أبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام [و](٦) الوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبيّ ابنا خلف والحارث بن عامر يستمعون القرآن ، فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ قال : ما أدري ما يقول إلا
__________________
(١) في المطبوع «هنا».
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «فتنتهم».
(٤) زيادة عن ط.
(٥) العبارة في المطبوع «قالوا لبعضهم البعض».
(٦) سقط من المطبوع.