أني أراه يحرك لسانه ويقول أساطير الأوّلين ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون وأخبارها ، فقال أبو سفيان : إني أرى بعض ما يقول حقّا ، فقال أبو جهل : كلا لا تقرّ بشيء من هذا ، وفي رواية : للموت أهون علينا من هذا ، فأنزل الله عزوجل (١) : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وإلى كلامك ، (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) ، أغطية ، جمع كنان ، كالأعنة جمع عنان ، (أَنْ يَفْقَهُوهُ) ، أن يعلموه ، قيل : معناه أن لا يفقهوه ، وقيل : كراهة أن يفقهوه ، (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) ، صمما وثقلا ، وهذا دليل على أن الله تعالى يقلّب القلوب فيشرح بعضها للهدى ، ويجعل بعضها في أكنّة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن ، (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) ، من المعجزات والدلالات ، (لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، يعني : أحاديثهم وأقاصيصهم ، والأساطير جمع : أسطورة ، وإسطارة (١) ، وقيل : الأساطير هي الترهات والأباطيل ، وأصلها من سطرت ، أي : كتبت.
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) ، أي : ينهون الناس عن اتّباع محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) ، أي : يتباعدون عنه بأنفسهم ، نزلت في كفار مكة ، قاله محمد ابن الحنفية والسدي والضحّاك ، وقال قتادة : ينهون عن القرآن وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويتباعدون عنه ، وقال ابن عباس ومقاتل : نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به (٢) ، أي : يبعد ، حتى روي أنه اجتمع إليه رءوس المشركين وقالوا : خذ شابا من أصبحنا (٣) وجها ، وادفع إلينا محمدا ، فقال أبو طالب : ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم؟.
وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعاه إلى الإيمان ، فقال : لو لا أن تعيّرني قريش لأقررت بها (٢) عينك ، ولكن أذبّ عنك ما حييت (٤) ، وقال فيه أبياتا (٣) :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتى أوسّد في التراب دفينا |
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة |
|
وابشر وقرّ بذاك منك عيونا |
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي |
|
ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا |
وعرضت دينا قد علمت بأنه |
|
من خير أديان البريّة دينا |
لو لا الملامة أو حذار سبة (٥) |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
__________________
(١) عزاه المصنف للكلبي ، وسنده إليه مذكور في أول الكتاب ، والكلبي متروك متهم بالكذب وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس. وانظر «أسباب النزول» للواحدي ٤٢٥.
(٢) عزاه المصنف لابن عباس ومقاتل وسنده إليهما مذكور في أول الكتاب.
وأخرجه الحاكم (٢ / ٣١٥) والطبراني في «الكبير» (١٢ / ١٣٣) والواحدي ٤٢٦ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الحاكم (٢ / ٣١٥) والطبري ١٣١٧٣ و ١٣١٧٤ و ١٣١٧٨ عن حبيب بن أبي ثابت قال : حدثني من سمع ابن عباس فذكره.
(٣) وقع في الأصل «أصبحا» والتصويب من ط.
(٤) ذكره الواحدي بإثر ٤٢٦ عن مقاتل بدون إسناد.
(٥) في الأصل «مسبّ».
__________________
(١) تصحف في المطبوع «وأساطرة».
(٢) في ب «به».
(٣) في المطبوع «أبيات شعر».