وقال ناجية بن كعب : قال أبو جهل للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : لا نتّهمك ولا نكذبك ولكنّا نكذب الذي جئت به ، فأنزل الله تعالى (١) : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) ، بأنك كاذب ، (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) ، قرأ نافع والكسائي بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد من التكذيب ، فالتكذيب هو أن ينسبه إلى الكذب ، وتقول له : كذبت ، والإكذاب (١) هو أن تجده كاذبا ، تقول العرب : أجدبت الأرض وأخصبتها إذا وجدتها جدبة ومخصبة ، (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ، يقول : إنهم لا يكذبونك في السرّ لأنهم عرفوا صدقك فيما مضى ، وإنّما يكذّبون وحيي ويجحدون آياتي ، كما قال : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [النمل : ١٤].
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥))
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ، كذّبهم قومهم كما كذّبتك قريش ، (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) ، بتعذيب من كذبهم ، (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) ، لا ناقض لما حكم به ، وقد حكم في كتابه بنصر أنبيائه عليهمالسلام ، فقال : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)) [الصافات : ١٧١ ـ ١٧٣] ، وقال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١] ، وقال : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، وقال الحسن بن الفضل : لا خلف لعدته (٢) ، (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) ، و (من) صلة كما تقول : أصابنا من مطر.
(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) ، أي : عظم عليك وشق أن أعرضوا عن الإيمان بك ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرص على إيمان قومه أشدّ الحرص ، وكانوا إذا سألوا آية أحب أن يريهم الله تعالى ذلك طمعا في إيمانهم ، فقال الله عزوجل : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً) ، تطلب وتتّخذ نفقا [أي](٣) سربا (فِي الْأَرْضِ) ، ومنه نافقا اليربوع وهو أحد جحرته فتذهب فيه ، (أَوْ سُلَّماً) ، أي : درجا ومصعدا ، (فِي السَّماءِ) ، فتصعد فيه ، (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) ، فافعل ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ، فآمنوا كلّهم ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، أي : بهذا الحرف ، وهو قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ، وأن من يكفر [يكفر](٤) لسابق علم الله فيه.
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨))
__________________
(١) أخرجه الترمذي ٣٠٦٤ من طريق ناجية بن كعب عن علي أن أبا جهل قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : ...... فذكره ثم أسنده عن ناجية دون ذكر علي وقال : وهذا أصح.
__________________
(١) تصحف في المطبوع «والكذب».
(٢) كذا في المطبوع و ، أ ، وفي ب ، «لعذابه» وفي ط «لعداته».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوطتين.