يعلمه ، وقيل : هو البر والبحر المعروف ، (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) ، يريد ساقطة وثابتة ، يعني : يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه ، وقيل : يعلم كم انقلبت ظهر البطن إلى أن سقطت على الأرض ، (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) ، قيل : هو الحب المعروف في بطون الأرض ، وقيل : هو تحت الصخرة التي في أسفل الأرضين ، (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : الرطب الماء ، واليابس البادية ، وقال عطاء : يريد ما ينبت وما لا ينبت ، وقيل : ولا حيّ ولا موات ، وقيل : هو عبارة عن كل شيء ، (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، يعني : أن الكل مكتوب في اللّوح المحفوظ.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) ، أي : يقبض أرواحكم إذا نمتم بالليل ، (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ) ، كسبتم ، (بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) ، أي : يوقظكم في النهار ، (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) ، يعني : أجل الحياة إلى الممات ، يريد استيفاء العمر على التمام ، (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) ، في الآخرة ، (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ) ، يخبركم ، (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣))
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) ، يعني : الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ، وهو جمع حافظ ، نظيره : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١)) [الانفطار : ١٠ ـ ١١] ، (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ) ، قرأ حمزة «توفيه» و «استهويه» بالياء وأمالهما ، (رُسُلُنا) ، يعني : أعوان ملك الموت يقبضونه فيدفعونه إلى ملك الموت فيقبض روحه ؛ كما قال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة : ١١] ، وقيل : الأعوان يتوفونه بأمر ملك الموت ، فكأن ملك الموت توفاه لأنهم يصدرون عن أمره ، وقيل : أراد بالرسل ملك الموت وحده ، فذكر الواحد بلفظ الجمع ، وجاء في الأخبار : إن الله تعالى جعل الدنيا بين ملك الموت كالمائدة الصغيرة فيقبض من هاهنا ومن هاهنا فإذا كثرت الأرواح يدعو (١) الأرواح فتجيب له ، (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) ، [أيّ](٢) لا يقصرون.
(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ، يعني : الملائكة ، وقيل : يعني العباد يردّون بالموت إلى الله مولاهم الحق ، فإن قيل الآية في المؤمنين والكفار جميعا ، وقد قال في آية أخرى : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] ، فكيف وجه الجمع؟ قيل : المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار ، والمولى هاهنا بمعنى المالك الذي يتولّى أمورهم والله عزوجل مالك الكل ومتولّي الأمور ، وقيل : أراد هنا المؤمنين خاصة يردّون إلى مولاهم ، والكفار فيه تبع ، (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) ، أي : القضاء دون خلقه ، (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) ، أي : إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ) ، قرأ يعقوب بالتخفيف ، وقرأ العامّة بالتشديد ، (مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، أي : من شدائدهما وأهوالهما ، كانوا إذا سافروا في البرّ والبحر فضلّوا الطريق وخافوا الهلاك ، دعوا الله مخلصين له الدين فينجيهم ، فذلك قوله تعالى : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) ، أي : علانية وسرا ، قرأ أبو بكر عن عاصم (وَخِيفَةً) ، بكسر الخاء هنا وفي الأعراف ، وقرأ الآخرون بضمّها وهما لغتان ، (لَئِنْ
__________________
(١) في ب «فيدعوها».
(٢) زيادة عن المخطوط وط.