عباس رضي الله عنهما : قالت اليهود : يا محمد أنزل الله عليك كتابا ، قال : نعم ، قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتابا ، فأنزل الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) ، قال الله تعالى : (قُلْ) ، لهم ، (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) ، يعني : التوراة ، (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) ، أي تكتبون عنه دفاتر وكتبا مقطعة تبدونها ، أي : تبدون ما تحبون وتخفون كثيرا من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وآية الرجم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (يجعلونه) (ويبدونها) (ويخفونها) بالياء جميعا ؛ لقوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ) ، وقرأ الآخرون بالتاء ، لقوله تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) ، وقوله : (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا) ، الأكثرون على أنها خطاب لليهود ، يقول : علّمتم على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم ما لم تعلموا ، (أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) ، قال الحسن : جعل لهم علم ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم فضيّعوه ولم ينتفعوا به ، وقال مجاهد : هذا خطاب للمسلمين يذكّرهم النعمة فيما علّمهم على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم ، (قُلِ اللهُ) ، هذا راجع إلى قوله : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) ، فإن أجابوك وإلّا فقل أنت : الله ، أي : قل أنزله الله ، (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣))
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) ، أي : القرآن كتاب مبارك أنزلناه (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ) ، يا محمد ، قرأ أبو بكر عن عاصم ولينذر بالياء ، أي : ولينذر الكتاب ، (أُمَّ الْقُرى) ، يعني : مكة سمّيت أم القرى لأنّ الأرض دحيت من تحتها ، فهي أصل الأرض كلّها كالأم أصل النسل ، وأراد أهل أم القرى (وَمَنْ حَوْلَها) ، أي : أهل الأرض كلها شرقا وغربا ، (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ، [أي :](١) بالكتاب ، (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ) ، يعني : الصلوات الخمس ، (يُحافِظُونَ) ، يداومون ، يعني : المؤمنين.
قوله عزوجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) ، اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) ، فزعم أن الله تعالى بعثه نبيا ، (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ).
[٨٨٢] قال قتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب [الحنفي](٢) ، فكان يسجع ويتكهن ، فادّعى النبوّة وزعم
__________________
[٨٨٢] ـ المرفوع منه حسن صحيح ، وهو منتزع من أحاديث.
أما قوله : «نزلت في مسيلمة ....» إلى قوله : «..... إليه» فقد ذكره الواحدي في «أسبابه» ٤٤١ بدون إسناد بهذا السياق ، وليس بشيء ، بل هو شبه موضوع لأن السورة مكية ، وأما مسيلمة في أواخر العهد المدني.
وأخرجه الطبري ١٣٥٦١ و ١٣٥٦٢ و ١٣٥٦٣. عن قتادة دون قوله : «وكان يسمع ....» إلخ.
وأما قوله : «وكان قد أرسل ....» إلخ.
فقد أخرجه أبو داود ٢٧٦١ وأحمد (٣ / ٤٨٧ ، ٤٨٨) والحاكم (٣ / ٥٢ ، ٥٣) والطحاوي في «المشكل» ٢٨٦٣ والطبري في «التاريخ» (٣ / ١٤٦) والبيهقي (٩ / ٢١١) وفي «الدلائل» (٥ / ٣٣٢) من طرق عن ابن إسحاق قال : «حدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم عن أبيه قال : كنت عند النبي صلىاللهعليهوسلم حين جاءه رسل مسيلمة بكتابه ورسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.